في خطوة تنظيمية مفاجئة تترجم توجه الدولة نحو الشفافية وكفاءة الطاقة، أعلنت هيئة تنظيم المياه والكهرباء عن اعتماد "دليل تقديم خدمة الكهرباء" الجديد، والذي يبدأ بتسعيرة سكنية منخفضة تبدأ من 18 هللة للكيلوواط/ساعة. هذا الدليل لا يقدم مجرد قائمة أسعار، بل يمثل خارطة طريق تقنية وتشريعية جديدة لتنظيم العلاقة بين المستهلك ومزود الخدمة، في وقت تسعى فيه المملكة إلى تعزيز كفاءة استخدام الطاقة ودعم التحول الرقمي ضمن رؤية 2030.
18 هللة فقط الكشف عن الدليل الجديد لخدمة الكهرباء في السعودية ... ما هو دليل تقديم خدمة الكهرباء؟
لم يكن إطلاق الدليل الجديد خطوة عرضية أو روتينية، بل نتيجة لسلسلة من التحولات في بنية قطاع الطاقة السعودي وهي:
- الدليل هو وثيقة تنظيمية رسمية أعدتها هيئة تنظيم المياه والكهرباء بالتعاون مع الشركة السعودية للكهرباء.
- يحدد الدليل معايير الخدمة، الالتزامات، الحقوق، الإجراءات، والفترات الزمنية اللازمة لكل خدمة كهربائية.
- جاء هذا التحديث استجابةً لمتطلبات السوق الحديثة، وارتفاع الطلب على الطاقة، وتنوع المستخدمين.
- يتضمن الدليل التزامات واضحة تجاه المستهلك من حيث جودة الخدمة، وقت التركيب، آلية الشكاوى، التعويضات، وعدالة الفوترة.
تسعيرة السكن هل هي الأرخص فعليًا:
أكثر ما لفت الانتباه في الإعلان الرسمي هو التسعيرة السكنية التي تبدأ من 18 هللة للكيلوواط/ساعة، فهل هي تسعيرة منخفضة فعليًا مقارنة بالواقع:
- هذه التسعيرة تنطبق على الشريحة الأولى من الاستهلاك السكني، والتي تمثل الاستهلاك المنزلي الأساسي.
- يتم تصنيف المستهلكين ضمن شرائح استهلاك متعددة، تبدأ من 18 هللة وتتصاعد مع زيادة الاستهلاك.
- الهدف من هذا النظام هو تشجيع الترشيد وتقليل الهدر في الطاقة المنزلية.
- بالمقارنة الإقليمية، تعد هذه التسعيرة من الأدنى في منطقة الخليج، مما يدعم الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
- التسعيرة تشمل أيضًا التكاليف التشغيلية والإدارية للشركة، مما يُظهر توازنًا بين التكلفة والعدالة الاجتماعية.
كيف يستفيد المستهلك من هذا الدليل:
لا يقتصر الدليل على تنظيم العلاقة بين المواطن ومقدم الخدمة، بل يقدم عدة مزايا عملية تجعل من استخدام الكهرباء تجربة أكثر وضوحًا وأمانًا ومن أبرز المزايا:
- شفافية محاسبية عبر فواتير تفصيلية دقيقة وسهلة الفهم.
- الحق في الشكوى والتعويض في حال تأخر التوصيل أو انقطاع الخدمة غير المبرر.
- تحديد مدة زمنية لتوصيل الخدمة لا تتجاوز أيامًا معدودة.
- تعزيز الثقة بين المواطن والجهات المزودة للطاقة من خلال أطر تنظيمية واضحة.
العدادات الذكية البوابة الرقمية لهذا الدليل:
من دون الأدوات الرقمية، لا يمكن تطبيق الدليل الجديد بكفاءة. لذلك، تتكامل التسعيرة الجديدة مع الانتشار المتسارع لما يُعرف بـ "العدادات الذكية":
- تم تركيب أكثر من 10 ملايين عداد ذكي في مختلف مناطق المملكة.
- تتيح العدادات للمستهلك متابعة استهلاكه لحظيًا عبر تطبيقات رقمية.
- تقلل من الأخطاء البشرية في الفوترة، وتكشف عن الاستهلاك غير الطبيعي.
- تدعم نظام الشفافية الجديد عبر إرسال تنبيهات أوتوماتيكية عند تجاوز الشريحة المحددة.
- تعتبر الأداة الأساسية لتفعيل برامج الطاقة البديلة ومراقبة الأحمال داخل المنازل.
من المستفيد الأكبر؟ وهل هناك تحديات:
رغم وضوح المزايا، يطرح المواطنون والمراقبون سؤالًا منطقيًا: من المستفيد الأكبر من هذا التغيير؟ وما هي التحديات التي قد تواجه التطبيق؟
- المستهلك العادي سيستفيد من التسعيرة المنخفضة فقط إذا تحكم باستهلاكه ضمن الشريحة الأساسية.
- الشركات الصغيرة والمستأجرون قد يجدون صعوبة في ضبط الاستهلاك ضمن التسعيرة المنخفضة بسبب الأجهزة الكهربائية المتعددة أو رداءة العزل الحراري.
التحديات تشمل:
- الحاجة إلى رفع وعي المواطنين بأهمية الترشيد.
- تكاليف البنية التحتية الرقمية لبعض المناطق.
- تفاوت فهم المواطنين لكيفية قراءة الفواتير واستخدام التطبيقات المرتبطة.
خطوة أولى نحو تسعيرة مرنة قائمة على الطاقة المتجددة:
يرى بعض الخبراء أن هذا الدليل ليس إلا تمهيدًا لمنظومة أكبر وأكثر ذكاء، فهل نحن أمام بداية لهيكلة تسعيرة الطاقة مستقبليًا؟
- يجري الحديث عن ربط تسعيرة الكهرباء بالسوق الفورية وتكلفة الإنتاج حسب فترات اليوم.
- سيتم مستقبلًا تفعيل تسعيرة مرنة حسب أوقات الذروة والطلب الموسمي.
- الدمج مع مصادر الطاقة المتجددة سيخلق خيارات جديدة للمستهلكين في المدى القريب.
- هذا يعني أن منازل مزودة بالطاقة الشمسية قد تُعامل بتسعيرة مختلفة، بل ويمكن للمستهلك أن يبيع الكهرباء الفائضة لاحقًا.
لم يعد استهلاك الكهرباء في السعودية مجرد فعل تلقائي، بل بات اليوم محكومًا بمنظومة ذكية وتنظيمية تشمل التسعيرة، الحقوق، والشفافية، وتمنح المستهلك أدوات غير مسبوقة لفهم ومراقبة استهلاكه. فـدليل تقديم خدمة الكهرباء الجديد ليس مجرد إعلان تسعيرة، بل هو تحول إداري وفني يُعيد تعريف العلاقة بين المواطن والطاقة. ومع دخول العدادات الذكية والرقابة الرقمية، تبقى الكرة في ملعب المستهلك ليختار: هل سيبقى مستهلكًا عشوائيًا، أم شريكًا نشطًا في إدارة طاقته.