- سيف الحموري - الكويت - الأحد 24 يوليو 2022 08:15 مساءً - الملك محمد السادس يوجّه دائماً بإيلاء الثقافة حيزاً واسعاً في المشاريع التنموية
- المدينة شهدت تحولاً كبيراً رسّخ مكانتها كمنافس ثقافي لكبريات العواصم العالمية
بقلم: نايف شرار
تواصل العاصمة المغربية «الرباط» إشعاعها الثقافي لتلقي بظلالها على محيطها العربي والإفريقي والإسلامي، بفضل مجموعة من المشاريع الثقافية التي تم إنجازها، ما يجسد الإرادة الملكية في جعلها قطبا ثقافيا عالميا ولإبراز الموروث الثقافي المغربي وإسهاماته المتنوعة، فدائما ما يوجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس - نصره الله - بإيلاء الثقافة حيزا واسعا في المشاريع التنموية بمختلف جهات المملكة.
وتعد الرباط مدينة متعددة الأوجه الحضارية والأثرية، باعتبارها تضم كنوزا تاريخية ومعالم أثرية تعود إلى أكثر من ثمانية قرون، ما أهلها لتصنف تراثا عالميا من قبل «اليونيسكو» عام 2012.
وبعد 10 سنوات من إدراجها تم اختيارها كأول عاصمة إفريقية للثقافة، كما تم اختيارها من منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو» لتكون عاصمة للثقافة بالعالم الإسلامي 2022.
وتستمد الرباط قوتها من موقعها الجغرافي على ساحل المحيط الأطلسي عند مصب وادي أبي رقراق، ما جعلها محورا تعاقبت عليها حضارات مختلفة، فينيقية، مورية، رومانية، أندلسية، إسلامية وأوروبية.
وتضم مجموعة أثرية تمتاز بقيمتها التاريخية تشهد لها مواقعها ومبانيها التي خلفها عظماء سطروا تاريخها عبر العصور، فقد اتخذها الموحدون عاصمة لهم في القرن الثاني عشر، وصنعوا مجدها بأسوار مهيبة وأبواب ضخمة، ويعتبر يعقوب المنصور المؤسس الحقيقي لرباط الفتح، وبنى بها مسجد حسان وصومعته الشاهقة تلبية لحاجة المجاهدين المتوجهين إلى الأندلس لجامع كبير يجمعهم كل صلاة.
كما عزز المرينيون رباط الموحدين بقلعة استراتيجية شيدوا بها مسجدهم ومدرستهم، وبقي رباط الفتح معسكرا لهم، حيث أسسوا بها أول أسطول بحري، كما أصبحت ضفتا أبي رقراق معا مركزا حربيا مهما محصنا بالمباني الدفاعية وأبراج كبرج القراصنة الذي تنحدر درجاته من القصبة إلى الوادي وبرج صقالة.
ولما استتب الأمر للدولة العلوية في المغرب، ارتقت الرباط في مدارج الرقي والعمران، وبلغت أوج التمدن والحضارة، حيث أولى سيدي محمد بن عبدالله اهتماما خاصا بالمدينة وأسس بها منشآت عمرانية وجعلها قاعدة أسطولية مهمة، وبعد مرور أشهر على توقيع الحماية الفرنسية عام 1912، تم نقل العاصمة من فاس إلى الرباط مهد الثورة الوطنية في 20 جمادى الثاني 1330هـ الموافق 6 يونيو 912، وبذلك أصبحت الرباط العاصمة الرسمية للمملكة المغربية.
عاصمة الثقافة
ومنذ بداية القرن العشرين، أرست مدينة الرباط صالوناتها الثقافية المحدثة منذ 1910 و1920 والتي كانت حاضنات حقيقية للإبداع الشعري والأدبي يشارك فيها مثقفون ومؤرخون وعلماء، ما أسفر عن ازدهار الانتاج الأدبي والعلمي، حيث كان الشعر يحتل الصفوف المتقدمة متبوعا بالملحون والدراسات التاريخية الدينية.
وقد أنجبت الرباط سلالة مرموقة من المؤرخين منهم محمد بن مصطفى بوجندار، محمد بن علي دينيا، وعبدالله الجيراري، وعبدالعزيز بن عبدالله وآخرين، وعرفت المدينة منذ بداية القرن الواحد والعشرين تحولا رسخ صبغتها كعاصمة ثقافية، ورسم لها قدرا طموحا تنافس به كبريات العواصم العالمية من خلال رصيد غني من المؤسسات الثقافية الكبرى.
المكتبة الوطنية
تعتبر المكتبة الوطنية من أهم أبواب العلم والمعرفة بالرباط والمفتوحة في وجه كل المغاربة، حيث تضع الخزانة الحسنية كنوزها من الكتب النادرة والمخطوطات تحت تصرف الباحثين، وترسم أكاديمية المملكة المغربية تحولا بانفتاحها على الجمهور الواسع في معالجة الموضوعات الراهنة الكبرى، بالإضافة لدور المكتبة الوطنية في تجميع وحيازة وحفظ المصنفات المنشورة التي تخضع لقانون الإيداع القانوني، كما تهتم أيضا بصيانة وحفظ وترميم كل ما يتعلق بالتراث الوطني وأنشطة البحث ونشر الثقافة، وإثراء مخزونها الوثائقي بانتظام وتحديث مقتنياتها من الدراسات والدوريات.
كما يعد متحف بنك المغرب الذي يحتضن معرضا دائما للمسكوكات النقدية، جوهرة أخرى لفنون الصورة المغربية، فقد عرفت جدران المتحف الأركيولوجي انتعاشا كما اغتنت مجموعته بقطع جديدة ذات قيمة تاريخية لا تقدر بثمن، فمتاحف بريد المغرب واتصالات المغرب والمقاومة والإشهار والطوابع البريدية كلها أمكنة للاكتشاف والمتعة الثقافية.
أكاديمية المملكة المغربية
اكتسبت أكاديمية المملكة المغربية صبغة عالمية إذ تكرس نفسها للعلم والمعرفة وتعتبر فضاء للبحث العلمي ونقطة التقاء لمختلف الثقافات والتخصصات في جو تشاركي، فهكذا أراد مؤسسها الملك الحسن الثاني الذي حرص على أن يكون أعضاؤها من جنسيات مختلفة، ويتمتعون بشهرة في بلدانهم وفي جميع أنحاء العالم ومن بين أعضائها البالغين 65 عضوا، 30 مقيما يحملون الجنسية المغربية و35 منتسبا من جنسيات مختلفة، وتسهم في إثراء مجال المعرفة بشكل متواصل إذ تشكل إصداراتها وأعمالها ثروة وطنية حقيقية ومرجعا أساسيا للباحثين.
«أرشيف المغرب»
تكتسي مؤسسة «أرشيف المغرب» بصبغة استراتيجية بارزة، نظرا لطبيعة عملها التقني المتمثل في تجميع وتصنيف الوثائق والأدوات ذات العلاقة بالتراث والتاريخ والهوية الوطنية، وصون وتعزيز التراث الوطني من المحفوظات بشكل دائم وبطريقة علمية تعتمد على توحيد المعايير خلال عمليات التجميع والفرز والتصنيف والوصف وعملية حفظ أو ترميم الوثائق.
«الثقافة الأفريقية 2022»
وتعتبر احتفالية الرباط عاصمة الثقافة الأفريقية 2022 بمنزلة إعادة اكتشاف لعاصمة الأنوار من خلال عيون ثقافية متعددة الزوايا، وبالتركيز على الإبداع الفني الأفريقي، ما سيعزز صورة المغرب كأرض للتسامح وتعايش التنوع والاختلاف، كما سيسهم في إبراز الانفتاح للمغرب على مختلف ثقافات وشعوب العالم.
وتأتي انطلاقة الاحتفالية بمرور 10 سنوات على إدراج مدينة الرباط ضمن التراث العالمي الإنساني تحت شعار «التراث العالمي.. 50 سنة من التعبئة و10 سنوات من الالتزام في الرباط وسنة من الاحتفاء بالمغرب»، ليعزز ما تزخر به من التراث العالمي ويتعلق بالحوار بين القديم والحديث، والقدرة على المضي نحو الحديث واحترام خصوصيات القديم، وتتمحور القيمة الكونية الاستثنائية لمدينة الرباط حول تناغم الأنسجة الحضرية والعيش المشترك، ما اقنع أعضاء لجنة التراث العالمي بتسجيل الرباط عام 2012 ضمن لائحة تراث الإنسانية.
المسرح الكبير
يتعلق مسلسل التحول الرائع الذي تشهده مدينة الأنوار ببناء المسرح الكبير للرباط، كفكرة ثاقبة من العاهل المغربي الملك محمد السادس على الضفة اليسرى لنهر أبي رقراق، المنشأة التي تكرس الرباط كعاصمة للثقافة ومدينة للأنوار فالمسرح على شكل ضفدع كرمز للنجاح والقوة والشجاعة، ورمز الماء (نهر أبي رقراق) بقاعاته المتعددة وفضاءاته المخصصة للأنشطة، ووفرة الفعاليات الثقافية.
المنظمة تبين إلى أي مدى تطبع هذه الحركة الجديدة مدينة الأنوار بطابع الانفتاح على العالم.
ويؤكد اختيار مدينة الرباط عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي 2022، المكانة الخاصة لها في المنطقة الأفريقية والعربية ودول العالم الإسلامي والعالم، كمدينة للتعايش الثقافي تجمع مختلف جوانب الأصالة والحداثة، والمشاريع التنموية، حيث أبرز المدير العام للإيسيسكو د.سالم المالك مآثر الرباط العريقة، وحكاية مجدها الممتد لأكثر من عشرة قرون والمواقع التراثية ومنها قصبة الأوداية وصومعة حسان، وشالة ونهر أبي رقراق، منوها إلى انها مدينة للماضي والحاضر والمستقبل، مشيدا بالرعاية الملكية السامية التي تتمتع بها منظمة الإيسيسكو منذ لحظة ميلادها على يد المغفور له الملك الحسن الثاني.
متحف محمد السادس
يقع المتحف في العاصمة، وافتتحه الملك محمد السادس عام 2014، كأول متحف في المغرب خصص بالكامل للفن الحديث والمعاصر، ويهدف للكشف عن التغيرات التي طرأت على واقع الإبداع الفني المغربي التشكيلي البصري منذ بداية القرن حتى يومنا هذا، ويحتوي على أكثر من 200 عمل فني.
وتتميز عمارته بحمل هوية المدينة المعمارية وتعبر عن تنوعها الثقافي وغناها التراثي، وينفرد المتحف بهندسة معمارية خاصة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، والحداثة والمحافظة، فقد صهر الماضي (العمارة الموريسيكية) بالحاضر (البناء المعاصر) في لمسة فريدة من نوعها.