الأحد 27 يوليو 2025 01:00 صباحاً - عززت دولة الإمارات علاقتها بالأرض من خلال اعتماد مسار زراعي جديد يركز على الاستدامة، والتكنولوجيا، والتخطيط الطويل الأمد. على الرغم من طبيعة البيئة الصحراوية والتحديات المائية، نجحت الدولة في بناء منظومة زراعية ذكية تعزز الإنتاج المحلي وتحقق الاكتفاء الذاتي تدريجيًا، وتسهم في استقرار الأمن الغذائي. يأتي هذا التحول نتاج رؤية استراتيجية أطلقتها الدولة منذ أكثر من عقد، ترتكز على تطوير البنية التحتية الزراعية، ودعم البحث والابتكار، وتنمية سلاسل القيمة، وتحقيق التوازن بين الإنتاج والحفاظ على الموارد.
التحول في قطاع الزراعة الإماراتي
لم تعد الزراعة نشاطًا موسميًا هامشيًا بل أصبحت محورًا رئيسيًا في سياسات التنمية المستدامة، وأساسية في استراتيجية الأمن الغذائي الوطني. شهدت الزراعة تطورًا نوعيًا في التنظيم والإنتاج، حيث توسعت المساحة الزراعية، وتم تحديث أنظمة الري، واعتمدت أنماط إنتاج جديدة تتوافق مع البيئة الصحراوية. يقدر عدد المزارع العاملة في الدولة بأكثر من 33 ألف مزرعة، تتنوع بين الزراعة التقليدية والعضوية والمائية، ما يظهر تطور النموذج الزراعي الإماراتي وتكيفه مع التحديات البيئية.
الإنجازات الإنتاجية وتنوع المحاصيل
يصل إنتاج المزارع المحلية من الخضراوات إلى أكثر من 328 ألف طن سنويًا، إضافة إلى حوالي 435 ألف طن من المحاصيل الحقلية والأعلاف، ويبلغ إنتاج الفاكهة نحو 369 ألف طن. تمكنت الدولة من تغطية أكثر من 20% من الطلب المحلي على الخضراوات، مع تحقيق نسبة اكتفاء ذاتي تصل إلى 80% في محاصيل مثل الخيار، وامتداد التنوع ليشمل الطماطم، الفلفل، الباذنجان، والكثير من الثمار، بما يعزز الأمن الغذائي ويطور التراث الزراعي.
الابتكارات في أدوات الاستدامة الزراعية
اعتمدت الإمارات نظام الزراعة داخل البيوت المحمية الذي يسمح بإنتاج محاصيل على مدار العام بكفاءة عالية. حيث توجد أكثر من 19 ألف بيت محمي في أبوظبي أنتجت أكثر من 99 ألف طن من الخضراوات، وتستخدم مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بهذه التقنية، بقيمة سوقية تتجاوز 254 مليون درهم. كما توسعت البلاد في الاستفادة من الزراعة المائية، التي تستخدم تقنيات تقلل استهلاك المياه بنسبة تتراوح بين 70% و90%، وتوفر إنتاجية عالية وجودة متميزة لمحاصيل مثل الخيار، الخس، والطماطم، مع تقليل الاعتماد على التربة والمياه العذبة وتحقيق مرونة في الإنتاج.
تنويع الإنتاج الزراعي وتطويره
شهدت الإمارات توسعًا في زراعة القمح كمحصول استراتيجي، بهدف بناء مخزون وطني من الحبوب. بدأت مبادرة “قمح الإمارات” عام 2017 بمبادرة تطوعية لعدد محدود من المزارعين، وأصبحت تضم الآن حوالي 200 مزرعة تنتج أكثر من 80 طنًا من القمح سنويًا. أطلقت الشارقة مشروع مزرعة القمح في منطقة مليحة، والتي تنتج واحدًا من أجود أنواع القمح في العالم. كما شهدت مزارع الألبان تطورًا في السلالات وأساليب التربية لضمان زيادة إنتاج الحليب وتقليل الفجوة بين العرض والطلب المحلي.
الضمان للاستدامة والمعايير والاعتمادات
أطلقت الإمارات “العلامة الوطنية للزراعة المستدامة”، التي تمنح للمنشآت الزراعية التي تلتزم بمعايير عالية في الإدارة البيئية والاجتماعية والاقتصادية. تساعد هذه العلامة على تعزيز ثقة المستهلكين، وزيادة تنافسية المنتجات المحلية، وفتح أسواق تصديرية للمنتجات المستدامة، خاصة مع تزايد الطلب العالمي عليها. تُمنح الاعتمادات لفترة تصل إلى ثلاث سنوات، بعد تقييم دقيق يشمل إدارة الموارد وجودة التربة وطرق الري والكفاءة التشغيلية.
المنظومة المتكاملة ودور التكنولوجيا
تميزت الإمارات في زراعتها المستدامة بالتكامل بين القطاعات والجهات الحكومية المختلفة، حيث يعمل القطاع الزراعي ضمن منظومة وطنية تشمل السياسات، والمبادرات، والأطر التشريعية، والدعم الفني والتمويلي، مع تمكين البحث العلمي والابتكار. ساعد هذا التكامل على خلق بيئة استثمارية مناسبة، واعتماد التقنيات الحديثة، والانتقال من الزراعة التقليدية إلى أنظمة إنتاج ذكية ومتطورة تراعى التحديات البيئية ومتطلبات الأمن الغذائي. كما تعاونت الجامعات الوطنية، مثل جامعة الإمارات، مع الباحثين لتطوير تقنيات حديثة مثل زراعة النخيل بأصناف متعددة وإنتاج الأصول الزراعية بكميات كبيرة باستخدام تقنيات زراعة الأنسجة الحديثة.
التكنولوجيا في سلسلة القيمة الغذائية
يرتكز التحول إلى الزراعة المستدامة على استثمار التكنولوجيا، التي تشمل أنظمة ري ذكية، وأجهزة استشعار، وطائرات مسيرة لمراقبة المحاصيل، وأنظمة ذكاء اصطناعي لتحليل ظروف التربة والطقس. تعمل الدولة على تمكين المزارعين من الوصول إلى هذه التقنيات من خلال برامج تدريبية، ومنصات إرشاد رقمي، ومبادرات تحفيزية لشراء المعدات الحديثة، بهدف بناء قاعدة إنتاج تعتمد على البيانات وتحقيق مراقبة مستمرة وفعالة.