- سيف الحموري - الكويت - الخميس 7 يوليو 2022 07:56 مساءً - في ديوانية الثلاثاء.. الراحل إبراهيم الشطي بادلني نظم شعر مليح ومزج شعره بنثر طريف وزّع على الرواد
- الأحـاديث المليحـة تنقذ الملهـوف وتجيـر الخائـف وتسكـن الغضب وتمتـع السامع وتنشر السرور
- الراحلون عبدالحميد البسيوني وعبداللطيف الديين وفيصل السعد وأنا شاركنا في متابعة أبيات غزلية لخلف الأحمر
- حب الاستماع إلى النوادر لايزال قائماً بيننا وورثنا طباع آبائنا الأولين وهذه النوادر متنوعة
الكتب العربية الموروثة عن القدماء شديدة التنوع في موضوعاتها، ففيها المختارات الشعرية، والتاريخ، وأحوال الناس، وفيها أخبار الأدب والأدباء، ناهيك عن كتب الحديث والتفسير والفقه، وكل ما يتعلق بالنواحي الدينية التي لا غنى لأيِّ مسلم عن الإحاطة بها.
وتضاف إلى ذلك كتب البلاغة، والصرف والنحو واللغة بصورة عامة، والأمثال، وتاريخ حروب العرب القديمة وأيامهم المذكورة، وكتب السِّيَر.
وتأتي في ذيل القائمة كتب اهتم مؤلفوها بإيراد النوادر والحكايات المستملحة رغبة في إضفاء جوِّ من المرح والسعادة على قرائهم في وقت لم تظهر فيه وسائل أخرى كما هو الأمر في وقتنا الحاضر الذي شغلتنا فيه الأجهزة الحديثة عن كل شيء.
وهناك كتب جمعت متنوعات كثيرة، وإن سادت فيها بيانات تخص النوادر التي ذكرناها. ومن هذه الكتب يأتي كتاب عنوانه: «أحسن ما سمعت» وهو من تأليف عبدالملك بن محمد الثعالبي المتوفى في سنة 429 هـ، ويحتوي على اثنين وعشرين باباً تضمُّ الشعر والنثر في موضوعات مختلفة، وقد قسَّم المؤلف كتابه هذا إلى أقسام هي: الإلهيات، والنبويات والسلوكيات، وهو مليء بالنصوص النثرية والشعرية واضح الدلالة على مقاصِد مؤلفه.
ومن هذه الكتب: «زهر الآداب، وثمر الألباب، وهو من تأليف إبراهيم بن علي الحُصْري القيرواني ويتكون من مجلدين فيهما كثير مما يستفيد منه المرء، حيث قام المؤلف بملئه بكثير من المختارات ذات الصبغة الدينية والأدبية، إضافة إلى ذلك المختارات التي قصد مِنْ إيرادها الترويح عن القارئ، وذلك بذكره شيئاً من النوادر المضحكة أو المثيرة للدهشة.
وللقيرواني نفسه كتاب آخر سار فيه على هذا النمط أطلق عليه اسم «جمع الجواهر في المُلَحِ والنوادر» وهو من جزء واحد يبدو أن مؤلفه أراد به استكمال ما صنعه في كتابه الأول الذي ذكرناهُ آنفاً وهو «زهر الآداب ...» غير أن الحكايات المسلية والمضحكة أحياناً تكثر فيه، ولذا فإننا نجد بعد كثير من الجد الذي مضينا معه فيما سبق أن نلجأ إليه قليلاً.
وكتاب القيرواني الذي هو موضوع عرضنا الآن مطبوع في طبعته الأخيرة سنة 1953م بتحقيق الأستاذ علي محمد البجاوي، وهو في 370 صفحة. وقد زوده المحقق بفهارس مفيدة، وجعل له حواشي نافعة. ولكنه اكتفى بالمقدمة التي صنعها لكتاب «زهر الآداب» الذي حققه كذلك، فلم يجعل لكتاب «جمع الجواهر» مقدمة ما عدا كلمة توضيحية ولكنه أورد في الكتاب الأول وهو «زهر الآداب» مقدمة وافية، ذكر فيها شيئاً عن المؤلف (القيرواني) فقال:
«مؤلف هذا الكتاب هو: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم المعروف بالحُصْري القيرواني».
وقد ذكر صاحب وفيات الأعيان (ابن خلكان) أن له ديوان شعر، وكتاب «زهر الآداب وثمر الألباب»، وكتاب «المصون في سر الهوى المكنون». وبعد أن تحدث عن مجالسه، وإقبال طلاب العلم عليه، وذيوع اسمه قال إنه توفي سنة 413 هـ، وقيل في سنة 453 هـ.
يبدأ كتاب «جمع الجواهر في الملَح والنوادر» بمقدمات رأى مؤلفه أنها مهمة قبل الدخول إلى الموضوعات التي يقصدها بالعرض وقد بدأ ببيان سبب تأليفه لهذا الكتاب، ثم إيضاح المنهج الذي انتهجه في ذلك، مع التمثيل وذكر أخبار وأشعار لكل ما يبديه في هذين البابين.
ثم أردف ذلك بقوله: إن النفوس مطبوعة على التحوّلِ والتنقُّلِ، وإن البقاء على حالة واحدة قد يؤدي إلى السأم والضيق، وفي الأحاديث الممتعة ما يُجْلي الهموم، ويريح النفوس. ولكنْ لاختيار النوادر أصولاً ينبغي أن تُراعَى حتى لا يتجاوز المرء أصول الدين أو أصول الآداب العامة مع غيره عند الانطلاق في سرد الأحاديث، وألا يُبْعِدَ عنه صفة اللياقة في مخاطبة الآخرين.
ثم استطرد فقال: إن النادرة التي يقولها أحدهم ينبغي ألا تكون فاترة، باردة لا روح فيها، بل ينبغي أن تكون جاذبة لانتباه المستمع، وأن تتصف بخفة الإشارة ولطف العبارة مع الاختصار، وعدم الإطالة، وينبغي أن يُلقي المتحدث نادرته بسرعة ودون تراخٍ وتمطيطٍ حتى لا يمل المستمع سماعه، مع عدم الإطالة في ذلك. وانتقل المؤلف بعد ذلك إلى تبرير قيامه بتقديم بعض الاختيارات المتصفة بالفكاهة والهزل، إذ بَيَّن تحت باب خاص من أبواب كتابه أن الهزل أمر يحتاج إليه المرء أحياناً، ومن أجل هذا فقد استشهد بقول نقله عن عمرو بن بحر الجاحظ، وهو: «ليس شيء من الكلام يَسْقُطُ البتة، فسخيف الألفاظ يحتاج إلى سخيف المعاني»، وقد قيل: لكلِّ مقامٍ مقال، وقيل لبشار بن برد: كم بين قولك:
أَمِنْ طلل بالجزع لن يتكلما
وأقفز إلا أن يُرىَ متذمِّما
في نظائر هذه القصيدة من شعرك. وقولك:
رَبَابةُ ربة البـيــت
تبيع الخـل بـالــزيتِ
لها سبع دجاجات
وديكٌ حسنُ الصوتِ
فقال: إنما القدرة على الشعر أن يوضع الجدُّ والهزل في موضعه، وربابة هذه جارة لي تنفعني بما تبعث لي من بيض دجاجها. وهذا الشعر أحسنُ موضعا عندها من:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
(وهذا مطلع معلقة امرئ القيس الشهيرة). وبعد ذلك ذكر القيرواني أن العاقل الرزين يحتاج – أحياناً – إلى المخالطة في أحاديث الهزل دون تفريط، ثم أورد الحكاية الغريبة التي تدل على ذلك. وهي:
«صحب الإمام الشافعي (محمد بن إدريس) قوما في سفره، فكان يجاريهم في أخلاقهم، ويخاطبهم بأحوالهم، وهم لا يعرفونه، فلما دخل مصر حضروا الجامع فوجدوه يُفتي في حلال الله وحرامه، ويقضي في شرائعه وأحكامه، والناس مطرقون لإجلاله، فرآهم واستدعاهم، فلما انصرفوا سُئِلَ عنهم فقال:
وَأَنزَلَني طولُ النَوى دارَ غُربَةٍ
إِذا شِئتُ لاقَيتُ أَمراً لا أُشاكِلُه
أُحامِقُهُ حَـــتّـى تُقالَ سَجــِــيَّــةٌ
وَلَو كانَ ذا عَقلٍ لَكُنتُ أُعاقِلُـه
ثم قال المؤلف: إن الأحاديث المليحة قد تُنْقِذ الملهوف، وتُجير الخائف من مخاوِفِه، وقد رويت في ذلك نكتة عجيبة جرت في أيام الخليفة العباسي المأمون؛ وهي أنه خرج منفرداً فإذا أعرابي، فسلَّم عليه، فقال: ما أقدمك يا أعرابي؟ قال: الرجاء لهذا الخليفة، وقد قلت أبياتاً استمطر بها فضله. قال: أنشدنيها. قال: ياركيك، أو يَحْسُنُ أن أُنشِدكَ ما أُنْشِدُ الملوك؟ فقال: يا أعرابي إنك لن تصل إليه، ولن تقدر مع امتناع أبوابه وشِدَّةِ حُجَّابه، ولكنْ هل لك أن تنسبها إليَّ، وهذه ألف دينار فخذها وانصرف، ودعني أتوسل بها، قال: قد رضيت. فبينما هما في المراجعة أحدقت الخيل بالمأمون وسُلِّم عليه بالخلافة، فعلم الأعرابي أنه قد وقع. فقال: يا أمير المؤمنين: أتحفظ من لغات اليمن شيئاً؟ قال: نعم. قال: فمن يُبدِلُ القاف كافاً؟ قال: بنو الحارث بن كعب. قال: لعنها الله من لغة لا أعود إليها بعد اليوم، فضحك المأمون، وأمر له بألف دينار».
فانظر كيف تخلص هذا الرجل من غضب المأمون الكاسح، حين أظهر أنه يقصد بلفظ: ركيك لفظاً آخر في لهجته هو: رقيق.
وتحت فصل من فصول كِتابِهِ؛ ذكر المقري أن الفكاهة من أسباب الاقتراب، ومثّل لذلك بكثير من الأمثلة ومنها ما أورده عن ابن عتيق الذي ساق له عدة مواقف تدعو إلى الضحك. وابن أبي عتيق هو من الظرفاء المشهورين وله ذكر واسع في كتب الأدب ساق له المؤلف عدة مواقف ضاحكة منها:
1- سمع ابن أبي عتيق بيت عمر بن أبي ربيعة التالي:
من رسولي إلى الثريا فإنِّي
ضِقتُ ذرعا بهجرها والكتاب
فقال: إيايَ قصد، فخرج من المدينة مسرعاً إلى مكة حتى أتى إلى (الثريا) فقالت له: ما كنت لنا زوَّاراً. قال: نعم، لكنني جئت برسالة؛ يقول لك ابن عمك عمر: ضقت ذرعاً بهجرك والكتاب. فلامَهُ عمر، فقال ابن أبي عتيق: إنما رأيتك تلتمس رسولا فسعيت إلى حاجتك.
2- ومن غرائب ابن أبي عتيق هذه النادرة:
كان مروان بن الحكم والياً على المدينة، فقال لابن أبي عتيق يوماً: إني مشغوف ببغلة الحسن بن علي، فقال له: فإن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجة؟ قال: نعم. فقال ابن أبي عتيق: إذا اجتمع الناس عندك في العَشِيَّة فإنني سأروي مآثر قريش، ولا أذكر الحسن، فلمني على ذلك: فلما جلسوا تحدث ابن أبي عتيق وفق ما ذكر، فقال له مروان: ألا تذكر أبا محمد وله في هذا ما ليس لأحد؟ فقال: إنا كنا نذكر الأشراف، ولو كُنَّا في ذكر الأنبياء لقدمنا لأبي محمد: فلما خرج الحسن (رضي الله عنه) لكي يركب بغلته لحق به ابن أبي عتيق، فقال له الحسن وهو يتبسم: أَلَكَ حاجة؟ قال: نعم. ذكرتُ البغلة. فنزل عنها الحسن وَدَفَعَها إليه.
ولم يكتف القيرواني بذلك فروى حكايات كثيرة منها حكاية لها صلة بشاعر معروف هو أبو الأسود الدؤلي واسمه ظالم بن عمرو، وفيها:
- كان الدؤلي من أبخل الناس، فمرَّ به صبيٌّ من الأنصار، فقال: له أبو الأسود: هَلُمّ إلى الغداء يا فتى، فلم ير موضعاً يجلس فيه، فتناول المائدة فوضعها على الأرض ثم قال: يا أبا الأسود إن كان لك في الطعام حاجة فانزل، وكان جالساً على مكان مرتفع، وصار الصبي يأكل حتى أكل كل ما أمامه، وسقطت في آخر الطعام لقمة من يده، فأخذها وقال: لا أدعها للشيطان. فقال أبو الأسود: والله ما تدعها للملائكة المقَرَّبين، فكيف تدعها للشياطين، ثم قال له: ما اسمك؟ قال: اسمي لقمان، فقال ابن الأسود:
أهلك كانوا أعلم زمانهم إذ سموك بهذا الاسم.
وهكذا سار المقري متبعا هذا المنوال في سرد الحكايات إلى أن أنهى كتابه: جمع الجواهر.
***
حب الاستماع إلى النوادر لا يزال قائماً بيننا في أيامنا هذه، فقد ورثنا طباع آبائنا الأولين. وقد تنوعت هذه النوادر، وكثرت مجالات روايتها، ولكن أحب شيء منها إلى النفوس هو الشعر، فقد كان بعض الشعراء ينظمون أبياتاً من الشعر تحلو بها المجالس لما فيها من طرافة، وتكون طرافتها أفضل إذا أُضِيفَتْ إليها ألفاظٌ من ألفاظ لهجة الشاعر الذي قالها، أو إذا تضمنت شيئاً عن بؤسه فيقدمه في سخرية لاذعة كما كان الشاعر عبدالحميد الديب يفعل، وله في ذلك أشعار فريدة، انظر قوله:
مرّوا على الدار يوم العيــد ضِــيـفــانـا
يـستمطــرون نـداهـــا كـالــذي كانـا
والــدار لـما رأتـهــــم مـقـبـلـــيـن لهــا
تـعـاورت فـي البـكـا أهـلا وبنيــانــا
لــيــت العــبــادَ كــلابٌ إن كـــلـبــتـــنا
لمَّــا تــزلْ لحــفــاظِ الــودِّ عُــنــوانـا
تَـحَـمَّـلَتْ قِـسْـطهـا فـي البـؤس صابِرةً
لم تَـشْـكُ جـوعـا ولم تـسـتجدِ إِنسانا
وقد أتيحت لنا في الكويت فرصة لسماع مثل هذا الشعر وروايته، بل ونظمه. ذلك أننا كنا نلتقي في ديوانية الثلاثاء التي تَحَدَّثتُ عنها كثيراً، وتحدث عنها غيري كذلك، وكان من بيننا من يجيد الشعر، ومن يحرص على أن يجعل شعره من هذا النوع الظريف التي يهتم به السامعون ويأنسون به. وأنا هنا عازم على تقديم نماذج من ذلك:
- من هذا النوع ما تم تبادله بيني وبين الأستاذ المرحوم إبراهيم الشطي، فقد كان يحاول مخاطبتي هاتفياً فلم يستطع لأنّ هاتفي يومذاك كان متوقفاً عن العمل لِعِلَّةٍ أصابته فكتب لي ما يلي:
تمر الليالي والشهور ولا تَطُلْ
وننتظر اللقيا بصبر ولا نملْ
وليس بصعب أن تجود بلفتة
فما صُنِعَ الموبايل إلا لتتصل
وجاءه مني هذا الرد:
عمدت إلـى المـوبـايـل أبغي وصالكم
وودي لكم أهـل المـروءة متصـل
ولقيـــاكــم عـــيـــد أســـر بــيــومـه
ويشرح صـدري إن دَنَـا ثم احتفل
فـإن رمتـم اللقيـا فـإني أريدهـا
وإن رمتـم وصـلا فـإنـي سـأمتثل
ولكنـه المـوبـايـل لمـا جسـسـته
وجـدت بـه أن الحـرارة لا تصـل
وأرهقنـي بحثـي الكثير وراعنـي
بقائـي بعد البـحث في شكل مفتشل
فعـذراً إذا صغت اعتـذاري كتـابة
على ورق قد جاء وهو عَدِلْ مَـدِلْ
وقد مَزَجَ - رحمه الله - الشعر بالنثر في كلمة كتبها ووزعت على روَّاد الديوانية الذين تلقفوها بسرور بالغ، لما فيها من طرافة وخيال واسع تميز به صاحبنا وقد جاء في الورقة التي حوت ذلك: الشـاعـر هـو ذو الدلاء الملمـصي، وهو من شـعـراء الـعـصـر العباسي، وكـان معمراً عاش بداية حياته أيام حرب البسوس، ومات في مصر أيام صلاح الدين الأيوبي، ولكنه لم يقل الشعر إلا لمدة خمسة أيام فقط في عهد الخليفة المعتصم، وقد دفعه إلى ذلك حبه للشاعر أبي تمام بعد أن استمع إلى قصيدته التي يقـول فيها: «السيف أصدق أنباء من الكتب». إذ إنه ما إن استمع إليها حتى تفتحت قريحته وجاء بهذه الأبيات:
كـــأن المـنـايـا تـبُّ مـــــاء وقـد هـوى
إلى قـعــر بِــئــرٍ لا يـطـال بـمـلـمـص
فـبـــت أقــاسـي الـهـم والـلـيـل مُـطـبـق
أقــــول لخـلـي قُــــمْ تَـغَـنَّ وعَـنْـفِـصِ
فـقــال لـــحــــاكَ الله خـلاَّ خَـبـِرتـه
يـظـن بـانـي عــشتُ دهـري بمـرقـص
فــقـلـت لـه قـــد كـــان ذاك لأنـنــي
رأيتك تـبــدو لي كـطـيـر مـقـصـقـص
وأنك قـد أصـبـحـت كـهـــلا مـهـدَّما
يُرى من بـعـيـد كـالـطـمـاط المفـقـص
أَبَيْتُ لك الإحـــزان يـا خـل بعــدما
تهــــــاديت وسـط الـهـم كالمتـقـلـقـص
وهـل أنا إلا صـاحـب كل صـحـبه
عـزيـز، فـما يـُخْـفِـي الجفا بالـتَّـملُّـصِ
أرى صاحبي رأسا كـريما معـززاً
وليس ذليلا في الورى مـثل عـصـعص
إذا نـالـه نـذلُ بِشَــــر نـصــــرتـُــه
وقـلـت لـذاك الـنَّـذل قُمْ وحبَـــنْـــبَــصِ
ومما مر بنا في هذا المجلس الذي ذكرناه أبيات قالها في موضوع واحد أربعة من الرواد. ولكنها أبيات غزلية كانت بدايتها أن الأخ المرحوم عبدالحميد البسيوني قد أعجبته أبياتٌ قالها راوية مشهور وشاعر له شعر ضاع أكثره اسمه: خلف الأحمر، وقد كانت الأبيات أربعة كان آخرها قول الشاعر:
ووالله لو قال مُتْ حسرة
لبادرت طوعاً إلى أمره
وقد استمعنا إلى كامل الأبيات، ثم أتحفنا الأستاذ البسيوني بأبيات كتبها على غرارها وكأنه يكملها فقال:
حبيــبــي سلطانـه قاهــر
رمتني المقاديــر فــي أســـره
فأصبحت عبداً أسير الفتو
ن، صَحْوِي وسُكري من خمرِهِ
وتاه دلالا وتهت خبــــالا
وأسلمت للمــوج فـــي بحــــرِهِ
وطلب ممن لديه استطاعة أن يشاركه فيما بدأ به من متابعة لأبيات خلف الأحمر المذكور. وقد بدأ المرحوم عبداللطيف عبدالرزاق الديين وكان حاضراً معنا فكتب قوله:
أيُجديه لــوم يــفــوهُ بـــه
لنشوان ما فاق مــن ســكــره
يقول لمن لج في لومـــه
جهلـــت رِضابا لــدي ثَغْـــرِهِ
إلى آخر ما قال.
وقال الأخ فيصل السعد في لحظتها:
ولي في اغترابي سهام كِثَا
رٌ، وعمر يــنــام على سِـرِّهِ
إلى أن أكمل الأبيات الخمسة.
ثم جاء دوري فقلت:
به قد رمتني ســهــام الـهــوى
فأوقعني الشــوق فـــي أســـره
له فـي الفـؤاد هـــوىً غـامــرٌ
تــحيَّــر واشـيـــه فـــي أَمْـــرِهِ
تجنَّبتُ فـيـــه كــلام الـــوشــا
ة، وقد حَاوَلُوا الغَضَّ من قَـدْرِه
فما حرَّك الشَّكَّ جـور الحسـ
ــود ولم أتلفـــت إلـــى جَـــورِهِ
إذا صَدَّ اقتصرت عن عذلِهِ
وأسْرَفَتِ النَّفــسُ فــي عــــذره
كان ذلك في شهر يناير لسنة 1997م. رحم الله أولئك الرجال الذين كانوا زينة المجلس، وتمام جمال الأيام.
***
لعل فيما تقدم الكفاية، وبعدها نعود إلى ما كُنا فيه من مسامرات جادة، وما هذه إلا نَوْعٌ من الترويح عن النفس.