في ليلةٍ لا تشبه سواها، وتحديداً عند الساعة 11:45 مساءً بتوقيت دولة الإمارات، ستتزيّن السماء بـقمر الفراولة، وهو الاسم الذي يُطلق على اكتمال القمر في شهر يونيو. وعلى الرغم من أن القمر لا يتحول فعلياً إلى اللون الوردي أو الأحمر، فإن لهذا الحدث دلالات فلكية وثقافية وزراعية تعود لقرون من الملاحظة والتقويم الموسمي. وأوضح إبراهيم الجروان، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للفلك، أن هذا المشهد الفريد ليس مجرد بدر آخر، بل يحمل في طياته قصصاً علمية وأساطير شعبية جعلت منه ظاهرة تستحق التأمل.
تلوّن القمر بالفراولة مشهد نادر يسطع في سماء الإمارات ... ما هو قمر الفراولة؟
الاسم قد يوحي بالرومانسية أو الغرابة، لكن "قمر الفراولة" ليس لقباً عشوائياً بل يرتبط بدورة الحياة والطبيعة في نصف الكرة الشمالي.
قمر الفراولة هو البدر الذي يظهر في شهر يونيو، وهو لا يختلف من حيث شكله أو حجمه عن أي بدر آخر، لكنه سُمّي بهذا الاسم من قبل قبائل الأمريكيين الأصليين لأنه كان يتزامن مع موسم جني الفراولة البرية في أميركا الشمالية.
في بعض الثقافات الأخرى يُعرف بـ"قمر الزهور" أو "قمر العسل"، ويرتبط أيضاً بالمناسبات الرومانسية والزراعية. ومن الناحية الفلكية، فإن القمر يصل إلى مرحلة الاكتمال عندما تكون الشمس والأرض والقمر على استقامة واحدة، ويكون القمر في مواجهة كاملة للشمس.
الإمارات تراقب السماء وعيون الفلكيين تترقب:
في الوقت الذي يميل فيه أغلب الناس إلى تجاهل السماء في زحمة الحياة، يستعد الفلكيون والهواة لموعد نادر مع الطبيعة.
وأفاد الفلكي الإماراتي إبراهيم الجروان أن قمر الفراولة سيصل إلى ذروته عند الساعة 11:45 ليلاً بتوقيت الإمارات، وهي لحظة يُنتظرها هواة الفلك والمصورون. والظاهرة تُعتبر فرصة ذهبية لالتقاط الصور، ورصد الحركات المدارية للقمر، والتفاعل مع المجتمعات العلمية والفلكية. وقد أطلقت جمعية الإمارات للفلك تنبيهات لمتابعة الحدث، مؤكدة أن الجو المناسب وغياب الغيوم يجعل من الإمارات واحدة من أفضل المواقع لرصد هذه الظاهرة.
مشهد بصري أم فرصة علمية:
ما يبدو للعين حدثاً جمالياً، يعتبره العلماء لحظة اختبار للمعدات الفلكية والنماذج المدارية.
يتيح اكتمال القمر فرصة لتجريب تقنيات الرصد والتصوير الليلي، كما يساعد في معايرة التلسكوبات ومراقبة ظواهر مثل الانحراف الزاوي والاضطرابات البصرية. كما أن هذه الأحداث تسهم في قياس مدى دقة التنبؤات الفلكية ومدى توافقها مع الواقع. وأن الجامعات ومراكز الأبحاث تستغل هذه اللحظات لدراسة حركة القمر بدقة وربطها بالمد والجزر وسلوك الغلاف الجوي.
مزايا الرصد في الإمارات:
قد يتساءل البعض: لماذا تحظى الإمارات بموقع مميز لرؤية الظواهر الفلكية؟ الجواب يكمن في البيئة والاهتمام المؤسسي ومن أبرز المزايا:
- الطقس الصافي وقلة الغيوم في معظم مناطق الدولة.
- قلة التلوث الضوئي في بعض المناطق الصحراوية مثل منطقة ليوا والعين.
- توفر مراكز فلكية متطورة مثل مرصد الشارقة وجمعية الإمارات للفلك.
- نشاط الفلكيين الهواة والمنصات المجتمعية التي تشجع على المشاركة.
التفاعل المجتمعي وثقافة السماء:
الظواهر الفلكية لم تعد حكرًا على المختبرات، بل أصبحت ظواهر اجتماعية تتفاعل معها المجتمعات إلكترونيًا وميدانيًا.
- شارك العديد من المواطنين والمقيمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو سابقة للقمر لحظة اكتماله، مستخدمين وسم #قمر_الفراولة.
- بعض المدارس والمراكز الثقافية استغلت الحدث لتنظيم ورش عمل فلكية توعوية للأطفال والشباب. وأشادت جمعيات الفلك العربية بتفاعل الجمهور الإماراتي وتزايد الاهتمام المحلي بعلم الفلك.
ماذا يعني لنا هذا القمر:
ما وراء الظاهرة الفلكية، هناك بُعد رمزي وتأملي يدفعنا لإعادة التفكير في علاقتنا بالكون والزمن.
قمر الفراولة يمثل عودة دورية للطبيعة، ودعوة للتأمل في تغير الفصول ودقة الكون. وإنه يذكرنا أن الزمن ليس فقط تقويماً أو ساعات، بل إيقاعاً كونياً نعيشه دون أن نشعر، وإن فهم هذه الإيقاعات يعمق فهمنا لذاتنا وكوكبنا.
قمر الفراولة في سماء الإمارات.. لحظات استثنائية ورسائل علمية وإنسانية وثقافية
ليست كل ليلة قمرًا، وليست كل قمرٍ مثل "قمر الفراولة".
هذه الظواهر الطبيعية، وإن بدت مألوفة، تحمل لنا رسائل علمية وإنسانية وثقافية، تذكّرنا بأننا جزء من هذا الكون الواسع.
في الإمارات، حيث يلتقي العلم مع الشغف، تشهد السماء كل عام لحظات استثنائية، ومع كل بدر جديد... هناك فرصة جديدة للرؤية والفهم والتأمل.