الارشيف / اخبار الخليج / اخبار الكويت

الصادق الأمين.. بقلم: د.يعقوب يوسف الغنيم

  • سيف الحموري - الكويت - السبت 18 يونيو 2022 08:49 مساءً - القرآن الكريم نبه إلى أن شروط قيام الساعة بدأت بالظهور منذ نزول الوحي
  • يتقارب الزمان وينقص العمل ويُلقى الشح وتظهر الفتن ويكثر الهرج (القتل)
  • الله أخفى عنا موعد قيام الساعة حتى نظل عاملين على إعمار الكون حتى آخر لحظة
  • ترادف الأيام وتتابعها السريع واحدة من علامات الساعة نشعر بها ولا نجدها في حسابات الفلك
  • ما جاء في الأخبار من تسارع الوقت وجري الأيام عرفته أمة محمد صلى الله عليه وسلم قبل مئات السنين ومنذ نطق به الصادق الأمين فقال «بعثت والساعة كهاتين» وأشار إلى الأوسط والإبهام
  • ليستمع إلى صدق حديث المصطفى أولئك الذين يكيدون للإسلام ولرسوله صلى الله عليه وسلم وهم ينتشرون في كل بلد


مرّ بنا شهر رمضان لهذه السنة مرا سريعا، وقد لاحظ الناس - جميعا - ذلك، وفي أثناء تبادل التهاني بالعيد كان اكثرهم يرددون قولهم: جاء رمضان وذهب بسرعة، لم نشعر بتطاول أيامه وتماديها في الطول كما هي العادة في الأيام، وكانوا يعجبون لذلك، ولم تخطر ببالهم هذه الملاحظة من قبل، مع أن آثارها كانت قائمة منذ وقت مضى، وإن ظهرت لنا مؤخرا بصورة أكثر وضوحا، ولذا فقد انطلق بعضهم لكي يقول: ليس هذا شأن رمضان المعتاد، بل ليس هذا شأن غيره من الشهور التي تمر بنا في هذه الفترة من الزمن، فإنه من الملاحظ أن الشهور صارت تمر بنا مرا حثيثا على خلاف عهدنا بها. وعلى الرغم من أن الأيام في كل شهر منها لم تنقص، فهي كما كانت منذ أمد بعيد، والساعات - في كل يوم - لم تقل عن 24 ساعة يوميا، وهذا هو ما نعهده دائما ولايزال اليوم بليله ونهاره كما كان من قبل.

فما الذي حدث؟

هذا الذي تقدم هنا هو ما سمعته من عدد من المتحدثين ولم أشارك فيه بقليل أو كثير، لأنني كنت - وقتذاك - أفكر في أمر آخر دلنا عليه تراثنا الديني. ولكني لم أشأ أن أفاجئ المتحدثين بما أفكر فيه لأن عرض ما لدي يحتاج إلى مجال آخر.

ولقد كان لهذا الذي أثير في مجالس العيد ما وراءه، ليس في الكويت فحسب، بل في الدنيا على سعتها، وجاء الخبر لكي يعطيني الفرصة للبوح بما لم أبح به من قبل؛ ذلك أنني قرأت في العدد الصادر من «الأنباء» في يوم الأحد الموافق للثاني عشر من شهر يونيو لهذه السنة، وهذا موعد قريب منا جدا، أما ما أشير إليه فهو خبر وارد في العدد المشار إليه من الجريدة التي ذكرت أن مصدره كان من عدة عواصم، ومن وكالات أنباء كثيرة لم تذكر أسماءها، ولكن هذا التعبير دل على أن ما ورد في الخبر ذائع في عدة جهات من العالم. وكان نصه كما يلي:

«تظهر استطلاعات الرأي التي أجراها علماء النفس أن الجميع تقريبا يتملكهم إحساس بأن الوقت في حاضرهم يمر أسرع مما كان في طفولتهم أو مراهقتهم. وأشد ما أثار انتباه علماء النفس هو ما أظهرته نتائج بعض التجارب عندما طلب فيها من كبار السن وصف شعورهم بسرعة مرور الزمن إزاء الفترات الزمنية الطويلة (مثل عقد من الزمن مثلا)، فكانوا أكثر ميلا إلى الإحساس بأن الوقت مر أسرع من الأشخاص الأصغر سنا.

والسؤال الذي يجب أن يُطرح في هذا الصدد هو: لم يشعر معظمنا بأن الوقت يمر بسرعة كلما تقدمنا في العمر؟ من الناحية النظرية، الوقت حقيقة ثابتة، فالدقيقة هي نفسها للكبير أو الصغير، بيد أن الإحساس المختلف بها يرجع إلى عدة أسباب أسند بعضها إلى عمليات حسابية، هي التي تشير إلى انه كلما تقدمت في العمر، أصبحت كل فترة زمنية تشكل جزءا أصغر من حياتك كلها. وهناك نظريات بيولوجية تفسر شعورنا بتسارع الوقت بارتباطه بتباطؤ عملية التمثيل الغذائي تدريجيا مع تقدمنا في العمر».

إذن!! فإن ما تردد على أفواه أبناء بلادي بعد انتهاء شهر رمضان الفائت عن ملاحظتهم للمرور السريع لأيام الشهر المبارك إنما هو أمر ينطبق على جميع الشهور، وهو - أيضا - لا يخص بلدا بعينه، بدليل أن الخبر قد ورد من عدة عواصم وهو يدل على أن الزمان قد أخذ يجري دون أن نشعر بذلك لسبب واضح هو أنه لم يتغير علينا شيء من عدد أيام الشهور ولا عدد ساعات هذه الأيام، كما لم تنقص الشهور. وقد صار هذا واضحا للجميع، ولأن المتحدثين عندنا لم يكن لديهم أي دليل علمي يمكن أن ينسب إليه سبب تقاصر الزمان على النحو الذي أحسسنا به هنا، ولاحظه العلماء في الخارج نتيجة بحث واستقصاء، فإن الأمر أصبح - بعدما قرأناه في الخبر - شيئا واقعا، إلا أن ربط هذا الأمر بكبار السن أمر غير دقيق لأن الشعور الذي بدا بين الناس هنا شمل فئة الكبار وفئة الشباب.

رجعت إلى ما كنت أريد أن أقوله في المجلس الذي جرى فيه ذكر ذلك خلال الفترة التي أشرت إليها، فوجدت نفسي عائدا إلى قراءات لي سابقة، وعلى الأخص منها ما جاء في الكتب الجامعة للأحاديث النبوية الكريمة، وكتب تفسير القرآن العظيم، لكي أستعيد ما كان لدي من معلومات حول ما حدث، وكان الدهر قد وضع عليها ستارا أخفاها إلا قليلا، وآن وقت إظهارها.

أشير - في البداية - إلى أن هذا الذي ورد ذكره في الخبر الذي صدر من عدة عواصم كلها بعيدة عنا، ولاحظه قومنا بلا بحث ولا مختبرات، بل بمجرد إحساسهم أمر معروف منذ أكثر من أربعة عشر قرنا هجريا، وردت عنه أحاديث لا تنكر، لأنها موثقة ومنقوله عن رجال ثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما الأمر إذن؟:

إن الأمر عندنا - نحن المسلمين - يتعلق بانتهاء هذه الحياة الدنيا وقيام الساعة أو يوم القيامة، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون من السؤال عن موعد ذلك، وعن الأحداث المصاحبة لذلك الحدث العظيم والمهم. فكان القرآن الكريم يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم رادا عليهم بما تحويه آياته التي منها قوله تعالى:

(يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) (الأحزاب: 63)

(يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) (الأعراف187).

وينبه القرآن الكريم إلى أن الساعة قائمة لا شك في ذلك، وأن لها شروطا وأدلة تظهر قيل وقوع هذا الحدث العظيم، بل وإن من هذه الشروط ما بدأ في الظهور منذ وقت نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما جاء في هذا الشأن ما ورد في سورة محمد، الآية رقم 18، ونصها: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) (محمد:18)

ولم يحدد القرآن الكريم للساعة موعدا، ولكنه أبان أن لها علامات هي التي جاءت باسم الأشراط (جمع شرط)، وأن هذه العلامات قد بدأت في الظهور منذ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومع ما ظهر من علامات، فإن علامات أخرى لاتزال قادمة ولسنا في مجال ذكر العلامات تفصيلا لأن ذلك له موضع آخر وعليه أدلة كثيرة منها أحاديث تفصل ذلك، كما أننا نسلم بما علمنا الله عز وجل أن الساعة تأتي بغتة عند تمام شروطها.

ولا أحد يستطيع أن يحدد لها ميعادا فهي مما اختص الله سبحانه نفسه بعلمه، ومنع معرفته على الناس، ولكن هؤلاء الناس يرون تلك العلامات ويعرفون مغزاها. وها نحن اليوم نرى واحدة منها في ترادف الأيام وتتابعها السريع، فنحن نشعر بها ولا نجدها في حسابات الفلك التي بقيت ثابتة، وهذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى، وهي قدرة لا يشك بها مؤمن، وقد منعنا - بلطفه - عن معرفة موعدها لحكمة لا تغيب عن بال أحد، فهو - عز وجل - لا يريد من خلقه أن ينقطعوا عن الأعمال، ويركنوا إلى توقع حدوث الساعة في وقتها المحدد، بل إنه ليريد منا أن نكون عاملين على إعمار الكون حتى اللحظة الأخيرة، ولذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو أصحابه الكرام إلى العمل إلى آخر يوم في الزمان، ويقول لهم: «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها» (الفسيلة: النخلة الصغيرة التي تغرس).

ولذلك، فقد تكررت الآيات التي تؤكد على أن الساعة لا تأتي إلا فجأة، وهذا يمنع الناس من الاتصاف بالتواكل وتوقع الحدث، وإهمال سبل الحياة التي خلقهم الله لها. قال تعالي في الآية رقم «77» من سورة النحل: (ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير) (النحل:77) ومن أجل ما تقدم فإن توقعنا للأدلة على قيام الساعة سيستمر إلى أن يأذن الله بالنهاية. وهذا الذي أحس به قومنا، وأكدته أبحاث الخارج، ونشر في جريدة «الأنباء» كله يشير إلى تقارب الزمن عن طريق شعور البشر بقصر الأيام والشهور، وفي هذا الشأن أحاديث نبوية شريفة توضحه، نذكر منها على سبيل المثال ما يلي: الحديث الذي رواه البخاري، ونصه: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل، وحتي يكثر فيكم المال فيفيض».

روى الإمام أحمد بن حنبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة (الأسبوع)، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة».

وروى ابن كثير وهو من كبار العلماء المفسرين والمهتمين بالحديث النبوي الشريف حديثا صحيحا فقال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج. قالوا: أيم هو؟ (أي ماهو؟) قال: القتل..القتل».

وهكذا تتضح الصورة بعد أن تبينت لنا الدلالة عليها بما كان من الإحساس بقصر أيام رمضان الذي مضى، وليست هذه الظاهرة خاصة برمضان، ولكنها قائمة في جميع الشهور في زماننا هذا دون أن ننتبه لذلك، فإن أيامها تمر سريعة ندرك أنها تمر على عجل، ولكننا لا نجدها في الحساب الفلكي كما أننا لا نحسها لا من حيث عدد شهور السنة ولا من حيث عدد أيام الأشهر، ولا ساعات الأيام، إنما الواقع أن هذا الأمر يدرك بالإحساس الذي عبر عنه الناس على الصفة التي جرى بيانها في بداية هذا الحديث، وجاءنا من الخارج تأكيد له.

ولو خرجنا عن نطاق التفكير في جري الأيام أو تسارعها أو تقاربها كما جاء في الحديث الشريف، فإن في الحديثين اللذين أثبتناهما هنا أمورا لها دلالة مشابهة لدليل تقارب الأيام على قرب الساعة، وهي أمور حدثت وتحدث عندنا وعند غيرنا في الوقت الحاضر، ولا داعي لضرب الأمثلة، ولكن الأخبار اليومية التي تردنا من كل مكان وبخاصة من أنحاء العالم الإسلامي، وعلى الأخص منه بعض بلاد العرب تعطي الدليل تلو الدليل على كل ما ذكر.

نسأل الله السلامة.

****

لم أذكر ما ذكرته على سبيل الإثارة، ولا لكي أبعث الرعب في النفوس، فالختام لا يعلمه إلا الله جل شأنه، وتعالى عن كل شريك، أما العلامات الدالة عليه، فهي قائمة، وقد أنذرنا بها كما تبين فيما سبق، وستتوالى الواحدة بعد الأخرى إلى حين اليوم الذي يختاره رب العالمين، ويكفينا أن نعرف أن هذه العلامات كانت قد بدأت منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى عد العلماء أن بعثته الشريفة إنما هي علامة من علامات الساعة، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت أنا والساعة كهاتين». وأشار بإصبعيه الأوسط وما يلي الإبهام.

وهنا أصرح بأن ما قصدته إنما هو من أجل أن أقول إن ما جاء في الأخبار في أيامنا هذه كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم تعرفه قبل أولئك الباحثين، وذلك بعدة قرون مضت، إذ إنها قد أخبرت به قبل أن يصلوا إلى العلم به.

فلتستمع الدنيا لذلك، وليعلم الباحثون أنهم لم يأتوا بجديد لا نعرفه فإن ما أعلنوه معروف عندنا منذ نطق به الرسول الكريم، وليستمع إليه أولئك الذين يكيدون للإسلام، ولرسول الله، وهم - كما نراهم - ينتشرون في كل بلد حتى وصلوا - أخيرا - إلى الهند ونحن على يقين من أن لهذا الدين ربا يحميه، ويكفينا قول الله عز وجل لرسوله الكريم:

(إنا كفيناك المستهزئين) (الحجر:95).

والله أعلم.

Advertisements
Advertisements