سيف الحموري - الكويت - الخميس 3 نوفمبر 2022 06:02 مساءً - أجرت التحقيق: ندى أبو نصر
تعاني مجتمعاتنا الكثير من العادات السيئة والخاطئة، بعضها تناقلناها جراء الانفتاح العالمي، وأخرى نتجت عن اجتماع ظروف وأحوال متباينة من التربية غير المتوازنة في المنزل وغياب الاهتمام المدرسي وانعدام الرادع أو الضابط الاجتماعي والديني والأمني، ويعتبر التنمر واحدا من هذه الأمور التي بتنا نلاحظها بشكل شبه يومي، بل وأصبحت عند البعض ترافقهم في حياتهم كالشهيق والزفير. ولأن التنمر مشكلة كبرى تعاني منها مختلف المجتمعات في شتى أنحاء العالم، فقد حرصت «الأنباء» على استطلاع عدد من المواطنين لأخذ آرائهم حول هذه الظاهرة المجتمعية السلبية، حيث أكدوا وجودها وأنها تأتي بصيغ وأشكال متعددة وفي مراحل عمرية مختلفة، ولعل أخطرها هو التنمر في المدارس وأثناء الطفولة لما له من آثار صحية عميقة قد تستمر إلى مراحل متقدمة من الحياة. وقال المتحدثون إن أي شخص وقع ضحية للتنمر في طفولته سيفهم مشاعر الخزي والشعور بالدونية وعدم الثقة بالنفس التي يمكن أن تجلبها هذه الأنواع من التجارب القاسية، موضحين أن العواقب لا تتوقف عند هذا الحد، حيث تشير الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة إلى أن آثار التنمر في مرحلة الطفولة يمكن أن تستمر لعقود طويلة، وقد تحدث تغيرات طويلة الأمد يمكن أن تعرضنا لخطر الإصابة ببعض الأمراض النفسية والعقلية والجسدية. وتحدث المشاركون في هذا الاستطلاع عن أسباب التنمر وكيفية علاجه وتحصين أولادنا ضده لتجنيبهم أي آثار نفسية قد تؤثر عليهم في المستقبل، فإلى التفاصيل:
في البداية، قال اسماعيل بهمن لـ «الأنباء»: إن أسباب التنمر في الكويت وأغلب دول العالم تعود إلى طبيعة البيئة الاجتماعية بداية من التنشئة بالمنزل، وكذلك دور الجانب الاقتصادي وطبيعة المنطقة التي يعيش فيها الإنسان، والتي تسبب فروقات فردية بين الشباب وكذلك في المدرسة، حيث يلاحظ أحيانا انعكاس اختلاف البيئات والطبقات الاجتماعية على تصرفات الأبناء بالسلب أو الإيجاب.
وأضاف: يجب أن يتم التركيز على التوعية التربوية في المدرسة والمنزل وفي وسائل الاعلام المختلفة لتذليل الفروقات بين الناس، وأن يتم العمل وبذل الجهود المشتركة لإيجاد بيئة متعاونة بين جميع الطبقات الاجتماعية وترسيخ فكرة التسامح وتقبل الذات والآخرين والابتعاد عن العنصرية وحب الذات، كما يجب علينا كأولياء أمور أن نعلم أبناءنا ثقافة احترام الآخرين وعدم التعدي عليهم وتقبلهم كما هم من دون الاستهزاء بمشاعرهم التي تؤدي الى عواقب وخيمة على الشخص المتنمر وعلى الضحية من جهة، وعلى أسرهم والمجتمع ككل من جهة أخرى.
بدوره، قال يعقوب السلمان: التنمر وبالكويتي يقال «التعيب»، كأن يتنمر شخص أو يعيب على شخص آخر بشكله أو تصرفه أو لونه وعرقه، وهو شيء سيئ جدا، فالدين نهانا عن هذا الأمر، وكنا سابقا نرى ذلك في بعض الدول والمجتمعات الغربية، ثم انتقل إلى المجتمعات العربية التي تحب التقليد وللأسف تأخذ الأشياء السلبية وتترك غيرها الإيجابية.
والتنمر يعتبر من العادات التي تسيء كثيرا للمجتمع ويصيب بسببها كثير من الطلاب والشباب الذين تصبح لديهم عقد وآثار نفسية سلبية، ولهذا يجب أن يتم تنظيم دورات تدريبية وإعداد مناهج توعوية للتخفيف من هذه الظاهرة، وكما يقال من يعيب على الناس الله يبليه فيه ويراها الشخص في أولاده وأحفاده، ولهذا يجب ألا يتنمر الشخص على أي أحد ونتعلم ثقافة قبول الآخر بعيدا عن جنسه ولونه ووضعه مهما كان.
عقاب المتنمرين
من جهتها، قالت أسماء حسن إن الضغوطات النفسية بسبب الظروف المادية والعائلية وقلة الإيمان بالله من أهم أسباب انتشار ظاهرة التنمر في المجتمعات، ولهذا يجب أن تكون هناك توعية صحيحة وسليمة من المختصين والتربويين والأهل أيضا، مع دعم الثقة بالنفس والإيمان بالله تعالى، وأن يكون الاهل قدوة لأطفالهم لأن المنزل هو الأساس في التنشئة وفي تقديم المساعدة بتربية الأبناء مع المدرسة، لأن التوجيه الصحيح وطريقة تعامل المدرسين مع الطلاب لها دور كبير في سلوكياتهم، لأنه في بعض الاحيان نجد التنمر يظهر من بعض الطلاب أو أن المدرس يتلفظ بطريقة غير لائقة مع الطالب بحضور الطلاب الآخرين، وهذا يؤثر على شخصيته ونفسيته ويجب أن يعاقب المتنمر سواء كان صغيرا أم كبيرا لكي لا تنتشر هذه الظاهرة بشكل اكبر وتكثر العقد النفسية في المجتمع وتسبب مشاكل مختلفة.
إرشادات تربوية
كذلك تحدث عبدالله علي لـ «الأنباء» قائلا: إن التنمر أساسه نابع من التربية في المنزل، ويجب على الأهل تعليم الاطفال الصح من الخطأ وصقل شخصياتهم ودعم ثقتهم بأنفسهم في حال تعرضوا للتنمر ووجوب التعاون بين المدرسة والأهل، لأن المدرسة أيضا لها دور أساسي في الحد من هذه الظاهرة، ووضع إرشادات تربوية في وسائل النقل المدرسية مع وجود مشرفة لكي تراقب الاطفال وتصرفاتهم كي لا يتعرضوا لأي نوع من أنواع التنمر أو الأذى النفسي الذي يمكن ان يواجهونه أثناء الذهاب أو العودة من المدرسة.
الثقة بالنفس
أما مصطفى النملي فقال: إن التربية هي الأساس في انتشار ظاهرة التنمر أو اختفائها لأن التربية الصحيحة والسوية والتوجيه السليم في المدارس يؤثر إيجابا في سلوكيات الأبناء، وقد انتشرت هذه الظاهرة بشكل اكبر بسبب ارتفاع نسب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» والتي تنشر الكثير من الأشياء الغريبة كنوع من أنواع السخرية المضحكة من دون احترام مشاعر الآخرين، وهذا أصبح يؤثر على الأشخاص ونفسياتهم، بالاخص الاطفال، ويسبب لهم مشاكل نفسية كبيرة، ولهذا يجب منذ الصغر دعم الأهل للأطفال وتقوية ثقتهم بنفسهم وتحصينهم لمواجهة هذه الظاهرة المؤذية لجميع الأطراف.
الأهل والقدوة
من جانبها، قالت سمر أبوشكر: إن هذه الظاهرة سببها عدم التوعية عند الأهل الذين هم القدوة كأن يرى الطفل والديه على أشخاص آخرين سواء لشكلهم أو أسلوبهم أو ملابسهم أو أي شيء آخر يعتبر أنهم متميزون فيه عن غيرهم، وسيتعلم منهم الكثير من التصرفات ومنبع كل كلمة جميلة أو سيئة أساسها الأهل وستؤثر على الأطفال ويجب تعليمهم ان الدنيا «دوارة» وكل شيء تقوم به الآن سيعود عليك في المستقبل، كما ان على المدرسة دورا ومسؤولية كبيرين أيضا، ويجب ان يكون فيها التوجيه الصحيح، وعلى المدرس عندما يلاحظ ويتابع أي طالب لديه مشكلة سواء في العلامات أو التلعثم في الكلام، وألا يوجه له الملاحظات السلبية أمام الطلاب لكي لا تؤثر نفسيا عليه ويصبح محط تنمر زملائه من الطلاب الآخرين الذين يرونه في وضع أضعف منهم.
كما أن لـ «السوشيال ميديا» دورا كبيرا في انتشار هذه الظاهرة، ويجب أن نراقب أطفالنا في جميع الأوقات وماذا يتابعون، وعلينا توجيههم بأسلوب أبوي لمتابعة الأفلام التوعوية والتعليمية وفي حال منعهم منها يجب إعطاؤهم البديل الذي يشغل وقتهم واستثماره بالأشياء المفيدة.
الخالدي: صياغة ظاهرة «التنمر» عبر برامج توعوية وتعليمية وحملات إعلانية تبين آثارها
أكدت اخصائية الإرشاد النفسي والصحة النفسية د.نادية الخالدي لـ«الأنباء»، ان «التنمر» ظاهرة نفسية تصيب الانسان نتيجة طريقة تربيته في المنزل اذا نشأ في المنزل على طريقة التنمر، وبالكويتي يقال «القطات» وللاسف بعض الناس انهم عندما يتصرفون بهذا الأسلوب أن دمهم خفيف وإذا استهزأوا بالناس وعلقوا بشكل سلبي على الآخرين ليضحكوا من حولهم، وسبب انتشار الظاهرة قبول بعض الناس لها بغض النظر عن الشعارات ولكن في كل مجلس وجمعات نرى مثل هذه الظاهرة.
واضافت الخالدي: نواجه هذه الظاهرة عن طريق اعادة صياغة فكرتها من خلال برامج توعوية ومسلسلات تعليمية وحملات اعلانية تبين اثر هذا التنمر على شخصية المتنمر بالدرجة الاولى، لأن كل ما قام به المتنمر كفعل إنما يقوم فيه دائما بشكل غير ارادي، لأن عقل الانسان كلما ركز على شيء يستوعبه وينفذه بشكل غير ارادي. وأوضحت الخالدي انه يجب تحصين انفسنا ضد التنمر وانه لا نسمح لأحد أن يوقف حياتنا وان يضعني في المقاس الذي يضعونه لي ويجب ان اجعلهم يتقبلونني بكل شيء ويحترمونني، ولهذا يجب على المتنمر ان يعدل سلوكه ويعدل من العيوب لديه ويحل مشاكله مع نفسه.
وزادت الخالدي: للاسف يعود سبب انتشار الظاهرة إلى عدم الوعي وعدم التربية الصحيحة في المنزل، وكذلك غياب التوجيه الكافي في المدرسة وعدم تعليم آداب الحوار بين الناس لا في المنزل ولا المدرسة وان حريتي تبدأ عندما تنتهي حرية الآخرين واحترام حرية الآخرين وأضع حدودا لعلاقتي مع الآخرين، والعلاج ضرورة تعليم الابناء الاخلاق، فليست هناك مادة الاخلاق ويجب تعليمها في المنزل من الاهل، وهذا شيء مهم ويجب ان نناشد أن تتدرس، لأن تعليم الاخلاقيات هو دور الاسرة والمدرسة والاعلام.
البارون: التنمر ينعكس بآثار سلبية ونفسية على المتنمر فيشعر بالضيق والاكتئاب والقلق
قال أستاذ في قسم علم النفس في كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.خضر البارون لـ«الأنباء»: التنمر شيء بغيض جدا، يستخدمه بعض افراد المجتمع تجاه الآخرين، فيطلق المتنمر ألفاظا وألقابا وصفات غير جيدة تجاه الطفل او الشاب او أي شخص آخر، وهذه السلوكيات بغيضة جدا خاصة ان التنمر ينعكس بآثار سلبية ونفسية كبيرة على المتنمر ذاته، فيشعر بالضيق والاكتئاب وبنوع من القلق كما قد يعاني لفترات زمنية طويلة من هذا الشيء. وأوضح د.البارون أن هذا السلوك غير مقبول اجتماعيا حيث فيه تصغير للآخرين واحتقار لهم كما يحمل سمات التقليل من شأنهم، وهذا يحدث كثيرا بين الطلاب في المدارس، وهنا يأتي دور مدير المدرسة والاخصائي الاجتماعي في التدخل واقامة دورات ومحاضرات للطلاب لتوعيتهم بهذه الظاهرة واحترام الذات والآخرين وان التنمر اذا انتشر في المجتمع سيفككه لأن افراد المجتمع يجب ان يتعاونوا ويتعاضدوا وان تكون هناك منافسات شريفة بينهم من دون اللجوء إلى التنمر. وزاد د.البارون: إن التنمر سلوك سيىء فلا يجوز لا دينيا ولا اخلاقيا التقليل من شأن الآخرين والتصرف بقلة ادب معه الناس ولا احد يقبله، كما يمكن أن يقود التنمر في بعض الاحيان الى وقوع جرائم مختلفة لأن الذي تعرض للتنمر من الممكن ان ينتقم لنفسه فيما بعد وهذا قد يؤدي لعواقب وخيمة عليه وعلى أسرته وعلى المجتمع ككل. وأشار د.البارون إلى أن من يتقبل التنمر يصبح عنده نوع من اليأس والاكتئاب وعدم الثقة بالنفس ويشعر بنفسه بأنه اقل رتبة في المجتمع ومع اصدقائه، وهذا يؤدي الى الكثير من التصرفات السلبية والانعزال عن الناس وعدم المشاركة بأي فعاليات في المجتمع، والعلاج يكون في التوعية في المدرسة والمنزل والتوجيه الصحيح ومعاقبة المتنمر سواء في المدرسة او عبر وسائل مواقع التواصل وان ترفع قضية ضد المتنمر والتحقيق معه وان يعاقب لإيقاف هذه الظاهرة المؤذية التي تؤثر على حالة المجتمع بشكل سلبي جدا، وإيجاد الحلول الناجعة لهذه الظاهرة يحقق الأمان المجتمعي ويحمي المتنمر من جهة كما يحمي الآخرين منه.