باسل النجار = الرياض في السبت 18 يناير 2025 05:57 مساءً - كان استيفان روستي ونجيب الريحاني من أعز الأصدقاء، إذ جمعتهما صداقة عميقة استمرت سنوات طويلة. وعندما رحل نجيب الريحاني عام 1949، حرص استيفان روستي على تكريمه بطريقته الخاصة، فكتب مقالة رائعة مليئة بالحكايات الجميلة والمواقف الكوميدية التي لا يعرفها الجمهور عن الريحاني. وجاء في المقال ما يلي :
حدث فى أيام فاقتنا وبوهيميتنا أن كنا نشتغل فى مسرح الشانزليزيه بالفجالة كممثلين، وكانت الحاجة تحكم علينا ألا تقتصر مهنتنا على التمثيل وحده بل كان علينا كذلك ان نعد المناظر بأنفسنا فنحمل على أكتافنا الأخشاب والديكورات ونقوم بعملية الميكانيست وخدم المسرح، فإذا ما انتهى التمثيل اجتمعنا بصاحب المسرح لنتحاسب على إيراد الليلة، فيخصم أجره المسرح وإيجار الأثاث، وما تبقى من ذلك يوزعه علينا وعلى عزيز عيد وأمين صدقى والسيدة روزا اليوسف وباقى الممثلين والكومبارس.
وكان حصتى أنا ونجيب من الإيراد مبلغ ثلاثة قروش، فخرجنا نطوف الشوارع ونتشاور فيما يجب أن نملأ به بطوننا الجائعة بهذا المبلغ، وأخيرا استقر رأينا على أن نتناول أكلة (فول مدمس) جامدة تعاوننا على النوم، وذهبنا الى مطعم الفول المنشود.
وبينما كنا نهم بدخوله استقبلتنا متسولة عجوز تجر بيدها طفلا وتحمل على كتفها طفلا آخر، والكل يبكون ويطلبون الإحسان والعشاء فما إن رآهم الريحانى حتى قطب وجهه وأخرج من جيبه قرشين واعطاهما للمرأة ثم أخذنى من ذراعى وسار بى فى الطريق وهو يقول “الغلابة دول احق منا بالأكل” تعالى نتعشى جوافة بقرش صاغ وتأكد أنها أقوى من الفول ألف مرة دى كلها فيتامين وفسفور.
وجئنا يوما إلى أحد أصحاب المسارح واتفقنا على العمل معه فرحب بنا الرجل وقال “عال قوى.. اتفقنا خلاص.. اتفضلوا تعالوا من بكرة اشتغلوا”.. فنظر إليه نجيب الريحانى نظره شك وريبة وقال “ازاى هنشتغل من غير عقد” فقال الرجل “ما تخافوش احنا متفقين بعقد شفوى” فقال نجيب “يفتح الله يا أخينا دى آخر مره اشتغلنا بعقد شفوى.. قبضنا اجرتنا شفوى.. وكانت الأجرة يعلم بها الله”
ولما فتح الله على نجيب فى جهاده الأول وكون لنفسه فرقة خاصة، حضر اليه ذات ليلة بعض الممثلين الكومبارس، وقالوا له يصح يا أستاذ أنك تجيب لنا أكل حقيقى فى منظر المطعم علشان ناكله مضبوط أمام المتفرجين” فقال لهم نجيب وكانت حالته المالية لا تسمح باستحضار طعام حقيقى “حاضر من عينى دى وعينى دى هقدم لكم أكل حقيقى فى منظر المطعم ولكن هقدم لكم سم حقيقى فى منظر الانتـ ،ـحار”
وكان معنا فى يوم من الأيام خمسة جنيهات فقال نجيب أنا عايز أعمل الخمسة دول عشرة فى البلياردو فقلت بلاش جنون هتضيع الفلوس.
فأجاب “ما لكش دعوه .. أهو فريستنا جاى” وأشار إلى الأستاذ يوسف وهبى بك وأردف “ده ما بيعرفش يلعب زينا خلاص اطمن” وعلى الأثر نظمت المباراة وحمى وطيس اللعب الذى انتهى بتشطيب الأستاذ يوسف على كل ما فى جيوبنا ولما كنا فى الهزيع الأخير من الليل وبيوتنا بعيده فقد اضطررنا إلى أن نقترض من يوسف بك أجرة العربة”.