- سيف الحموري - الكويت - الاثنين 11 أبريل 2022 07:48 مساءً - المسجد قديماً كان روحانياً حقاً بعيداً عن الخلافات الصغيرة هذه الأيام وأصبح الآن دليلاً جغرافياً على الأماكن المزالة والفرجان التي تحيط به
- أمور الكويت قضائياً كانت تسير وفق أنظمة ضابطة وعلى هدي من الشرع الكريم والكويتيون كانوا حريصين على توثيق كل شيء وأهمها العقارات
هذا هو الفصل ما قبل الأخير من هذه الفصول التي تُقدم الكثير من المعلومات عن الكويت وأهلها، ولن أتوقف حتى أقدم في آخر فصلين ما يساير ما بدأت به، فقد عرفت أن هذا الأمر مهم لأنه يسجل جزءا غاليا من تاريخنا. وهنا أقدم ثلاث فقرات هما:
1 - حديث حول مساجد الكويت.
2 - أعمال القضاء الكويتي.
3 - حول اللهجة الكويتية.
وسوف يلاحظ التنوع في الفقرة الثانية، فهي تضم عدة نماذج مع التنويه بأحد قدماء القضاة، إضافة إلى موضوع التوثيق.
أرجو أن يكون ما أقدمه هنا نافعا، وهذا أملُ طالما رددته. والآن يبدأ هذا الفصل:
حديث حول مساجد الكويت
أستذكر دائما صورة المساجد في أيامي الماضية، لا لوجود فرق بين المسجد القديم والآخر الجديد فيما يتعلق بالناحية الدينية التي لا يغيرها زمان، باعتبار الدين الإسلامي الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم دينا ثابتا لا يجري عليه تغيير، ولا يمكن لأفراد أن يغيروا منه شيئا مهما أوتوا من العلم، ولكن ما يجعلني أعود إلى الصورة القديمة للمسجد أمران هما: أولا: أن المسجد في كل فريج من الفرجان الكويتية القديمة يضم أبناء هذا الفريج أو ذاك. ويجتمع فيه كل المكلفين بالصلاة لا يتخلف منهم أحد إلا لعذر قاهر، فتجد بينهم الكبير والصغير، وتحس بمدى تآلفهم وتوادهم، وتلمس الطيبة في الكبار، واحترام الصغير للكبير عند الصغار.
وكان جو المسجد جوا روحانيا حقا لا يحدث فيه ما يحدث في بعض المساجد هذه الأيام من خلافات مع مؤذن، أو إمام، أو بين المصلين على فتح النافذة أو إغلاقها دعك من الخلاف الشديد على المكيفات والمراوح، لذا فإن النفس تتوق إلى الجو السائد الذي كان.
ثانيا: أن المساجد القديمة صارت في هذه الأيام دليلا جغرافيا على الأماكن الكويتية المزالة، إذ أصبحنا نستدل على بعض المباني القديمة أو حتى الفرجان بوجود المسجد، فصارت هذه المساجد اليوم إضافة إلى كونها منارات هدى ودين، مؤشرات على الأماكن التي كانت تحيط بها.
كان المسجد القائم في فريج الشاوي وهو الفريج الذي نشأت فيه مسجدا مماثلا لغيره من المساجد. مبنى طيني واسقف من البواري وخشب الجندل والباسكيل مكسو بالجص ونوافذ خشبية، وساحة، وما كان يسمى (الخلوة)، وهي صالة كبيرة ذات طول، يستوعب عرضها عددا من صفوف المصلين، إضافة إلى المكان المخصص للوضوء وهو الذي كنا نسميه (القرو) ناطقين القاف جيما قاهرية. وبه إضافة إلى المواضع المخصصة لذلك موضع مخصص للاستحمام طالما ابتردنا تحت أنبوبه في الأيام شديدة الحرارة، فكنا نسحب الماء بواسطة الحبل والدلو ثم نرميه في حوض في أعلى موضع الاغتسال، حيث يمر المشار إليه ليصب على المغتسل.
وعندما تشتد الحرارة كان المصلون يؤدون الفريضة في الساحة أو (الحوش) وكنت أرى في أوقات الصلوات مختلف درجات السن بين المصلين، وكانت تسعدني رؤية كبار السن بطبيعتهم، وخشوعهم، ولا أزال أذكرهم واحدا فواحدا، ومع أنهم قد انتقلوا إلى رحمة الله، إلا أن صورة كل واحد منهم لاتزال منطبعة في ذهني، أما أولئك الذين كانوا في مثل سني فلاتزال صلتي بهم قائمة، أكون سعيدا جدا حين ألتقي بواحد منهم، وبخاصة ونحن الذين بقينا من أفراد ذلك الزمان نلتقي إلى اليوم في مسجد بضاحية عبدالله السالم كل يوم جمعة، علما بأن المرحوم عبدالمحسن محمد المطير باني هذا المسجد (1391 هـ 1971 م) كان من رواد مسجدنا القديم، إذ إنه وأسرته الكريمة من سكان ذلك الفريج الجميل الذي نحتفظ له بأطيب الذكريات.
ومن حيث التاريخ فقد اختلف في توقيت بناء مسجد الساير فقيل إنه بني في سنة 1311هـ التي توافق سنة 1893م، وقال آخرون: بل في سنة 1312هـ التي توافق سنة 1894م، وقد تكاتف الأهالي من أجل إقامته، إذ تنادوا إلى ذلك فقدم كل منهم ما يستطيع تقديمه من مال ومواد، باهتمام من المرحوم ساير الشحنان، ولذلك سمي مسجد الساير، وتمييزا له عن مسجد الساير الواقع في غربي مجلس الأمة، فقد أطلق اسم مسجد الساير الشرقي على مسجدنا الذي نتحدث عنه.
وكان مسجد فريجنا عند إنشائه على الصورة التي ذكرتها، ولكنه حظي بتجديد كامل عندما نشأت دائرة الأوقاف العامة التي قامت بتجديده. فكان ذلك في الثالث عشر من شهر جمادى الثانية الموافق لليوم الخامس من شهر فبراير لسنة 1955م، وقد حضر المرحوم الشيخ عبدالله الأحمد الجابر لافتتاح المسجد بعد التجديد وصلى فيه صلاة الجمعة وسط إعجاب الناس وسعادتهم بوجوده معهم وعندما خرج من باب المسجد كان الأطفال يقفون للسلام عليه فيحدثهم ويسلم عليهم مصافحا، مما زاد الإعجاب به. ومما أفاد المصلين بعد التجديد تركيب عدد من المراوح الكهربائية التي دفعت عددا من رواد المسجد إلى البقاء فيه وقت الظهيرة للاستفادة من هذه الأجهزة التي كانت نادرة في أكثر البيوت.
والشيخ عبدالله هو ابن الشيخ أحمد الجابر الصباح، من مواليد سنة 1905م، وكان مسؤولا عن الأمن مشهورا بالصرامة ضد المجرمين، وعرف بهذه الصفة في مختلف الأوساط حتى هابه العصاة، وقد كانت وفاته في اليوم الثامن والعشرين من شهر يناير لسنة 1957م، وقد اكتشف الناس يوم افتتاح المسجد أنه عطوف محب للأطفال على عكس ما كانوا يظنون فيه بسبب شدته المعروفة.
ومما ينبغي أن نذكره أن فريج الشاوي كان يحتل الموقع الكائن في شرقي قصر العدل من غربي العاصمة ويرى هذا المسجد اليوم في الشمال الشرقي للقصر المذكور.
كان إمام مسجد الساير الشرقي قديما الملا محمد الحرمي، وهو عالم جليل القدر، ورع، محبوب بين الناس، له مدرسة أهلية هي أول مدرسة درست فيها في بداية حياتي، آلت إلى ولده محمود فسميت مدرسة ملا محمود. وعندما توقف الملا محمد عن الإمامة لكبر سنه تولى ذلك ابنه ملا جاسم، ولم تمض فترة طويلة حتى حل محله أخوه ملا محمود، وهذا الأخير يمتاز إضافة إلى أخلاقه الكريمة، وطيب معشره مع الجميع بصوت جميل يقرأ به القرآن وبعض القصائد الدينية التي أحب الناس سماعها منه. وكانت علاقاته بالناس واسعة ومحبوه كثيرون. وأتذكر اليوم عددا من المصلين في هذا المسجد مترحما على من توفي منهم.
والمسجد الثاني الذي كان قريبا منا ولايزال راسخا في الذاكرة هو مسجد البدر حيث يبكر الكثيرون من أهل الفريج إليه لصلاة الجمعة.
وقد كتبت عنه ما لا داعي لتكراره، ولكن من المفيد ذكره هنا نقلا عن - كتابي «مواقع ومشاهد كويتية على ساحل جون الكويت الجنوبي»، حيث قلت: «وفي الزاوية الشمالية الغربية لمتحف الكويت الوطني كان موقع مسجد من أشهر مساجد الكويت، هو مسجد البدر وكان الناس يقبلون عليه من كل مكان في البلاد للاستماع إلى خطب ومواعظ الشيخ عبدالله الخلف الدحيان المتوفى في سنة 1931م، ومن بعده الشيخ أحمد خميس الخلف المتوفى في سنة 1974م، ثم الشيخ محمد سليمان الجراح المتوفى في سنة 1996م، وكان الأخيران يخطبان بخطب الشيخ عبدالله الخلف الموجزة المليئة بالنصح للمسلمين، وتوخي واجباتهم التي أمرهم الله - سبحانه - بالالتزام بها. وهي الخطب التي يخطب بها اليوم الأخ د.وليد المنيس في مسجد المطير بمنطقة ضاحية عبدالله السالم، فتستقطب العدد الكبير من المصلين في يوم الجمعة من كل أسبوع. وكان مسجد البدر حين رأيته لأول مرة مبنيا من الطين المغطى بطبقة من الجص، وفي داخله بعد الساحة الخارجية المسماة صحن المسجد إيوان، ثم المصلى الرئيسي الذي يدخل إليه المصلون من عدة أبواب، وفي صدر هذا المصلى يوجد المحراب والمنبر، ويعتمد الإيوان والمصلى على أعمدة تنتهي بأقواس مزخرفة بمادة الجص تعطي المسجد منظرا جميلا وجلالا باهرا، وكان مؤذن المسجد في فترة طويلة السيد سليمان بلال الشهير بصوته المتميز وأدائه المحبب لدى المصلين. وفي الوقت الذي أدركته فيه كان يؤذن الأذان الأول فوق المنارة من يوم الجمعة، ثم يأتي ليقف أمام المنبر، وفي هذه الأثناء يكون خطيب المسجد قد وصل وأدى السلام للحاضرين، حيث يقوم المؤذن بأداء الأذان الثاني الذي تبدأ بعده الخطبتان، ثم الصلاة. ومن أجمل الليالي التي أذكرها في هذا المسجد ليالي العشر الأواخر من رمضان، حيث تقام صلاة القيام ويجتمع - في فصل الصيف - عدد كبير من الناس مع أبنائهم فوق سطح المسجد يؤدون الصلاة ويستمعون إلى وعظ الشيخ أحمد خميس الخلف ويتناولون في فترات الراحة القهوة الحلوة المكونة من الزعفران وحبات الهيل والماء والسكر، ولا تنتهي هذه الصلاة إلا قبل موعد تناول السحور بقليل، فيذهب كل إلى بيته، وبعد الإمساك تبدأ صلاة الفجر، ويتم استقبال يوم جديد، لقد كانت أياما جميلة لا يزال من حضر صلاة القيام فيها ذاكرا لها، متمنيا عودتها.
قام بإنشاء هذا المسجد المرحوم ناصر بن يوسف البد من ثلث والده، وألحق به بيتا كان يسكن فيه الشيخ عبدالله الخلف الدحيان. ولمكانة هذا الشيخ الجليل فقد ضاق المسجد بالمصلين من أول جمعة صلوها فيه في سنة 1315هـ وهي توافق سنة 1897م، فأمر الشيخ مبارك الصباح بتوسعته، وقد جُدد مرتين بعد تلك التوسعة، إحداهما سنة 1910م، والثانية في سنة 1951م، بعد أن قامت دائرة الأوقاف العامة برعاية المساجد.
كانت دروس الشيخ عبدالله الخلف في المسجد على فترتين، إحداهما بعد صلاة العشاء، والأخرى بعد طلوع الشمس، وكان يقوم بتدريس عدد ممن صار من علماء الكويت المعروفين، ولم يتوقف عن إعطاء الدروس حتى توفي في سنة 1931م.
وعندما قام ابن أخته الشيخ أحمد خميس الخلف مقامه، كان يلقي مواعظ فيما بين صلاتي المغرب والعشاء يستمع فيها الحاضرون إلى نصائح وموضوعات عدة، وقد أسعدني أنني كنت من المواظبين على حضور هذه الجلسات النافعة.
وقد هدم هذا المسجد في الوقت الذي لم يكن هناك داع لهدمه، إذ ما الذي سيعود على مبنى متحف الكويت الوطني لو بقي في زاويته هذا المسجد التاريخي الجميل؟
القضاء في الكويت
أ - نماذج من أعمال القضاء الكويتي
كان القاضي الكويتي يقوم فيما سبق بدور كاتب العدل بالإضافة إلى عمله في القضايا. وكان يكتب ويصدق على كل صغيرة وكبيرة من أمور الناس دون سأم أو ملل، ويعجب المرء حين يرى العدد الكبير من التوثيقات التي ظلت باقية منذ ذلك العهد حتى اليوم تحمل لنا صورة عن المجتمع الكويتي وما يجري فيه من معاملات، ويعجب لاهتمام أمير البلاد بهذا المرفق حتى إنه كان يوقّع على كل ورقة يصدرها القاضي من هذا النوع، وعلى الأخص منها ما يتعلق باستملاك العقارات، وهذه ثلاثة نماذج مما كان يصدر من القضاء في الكويت، الأولى بتوقيع الشيخ عبدالله الخلف الدحيان، وتحتوي على وصية جاء فيها: أنه قد شهد كل من السيدين جواد الموسوي القزويني وناصر السيد أحمد أن حاجي علي بن ميرزا حسين وصي في حال تصح منه الوصية إلى أخيه بأن يكون وصيا على أولاده القاصرين.. وقد صدرت هذه الوثيقة بتاريخ الثاني من شهر صفر لسنة 1349هـ، الموافق الثامن والعشرين من شهر يونيو لسنة 1930 م. أما النموذج الثاني فهو إثبات وراثة شرعية بتوقيع وكيل القضاء الشرعي - آنذاك - الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، الذي أصدر في الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول لسنة 1350هـ الموافق الثامن من شهر أغسطس لسنة 1931م، هذه الوثيقة معلنا فيها وفاة المرحوم صالح بن ناصر الشرهان وانحصار إرثه في عدد ممن ذكرهم في الوثيقة، مع ذكر عدد أسهم كل واحد من الورثة، وختمها بقوله: «ولأجل البيان حررت هذه القسمة الشرعية بعد توريث المستحقين لها المذكورين في هذه الورقة». أما الوثيقة الثالثة فهي بتوقيع الشيخ يوسف بن عيسى القناعي أيضا، وفيها إقرار باستلام بضاعة هي: عبارة عن خزانات ماء (توانكي) وفي الوثيقة أن يوسف بن علي معتمد صالح، قد قبض من المرحوم حمد العبدالله الصقر أربع توانكي حديد، حيث إن استلامه لتلك التوانكي كان قبل توقيع هذا البيان بمدة، وسبقت وفاة الشخص المستلم منه، فقد أحضر القاضي شاهدين هما عبدالله بن أحمد الحساوي، وعبدالله بن حسن بن ارحمه، وأقرا بذلك أمامه بالشهادة الشرعية.
وبهذا نرى أن الأمور في الكويت تسير وفق أنظمة ضابطة وعلى هدى من الشرع الكريم.
ب - تعيين قاض كويتي
في العدد المرقم خمسمائة وواحد وسبعين من الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» صدر مرسوم أميري بتوقيع المرحوم الشيخ صباح السالم الصباح مؤرخ في السابع والعشرين من شهر مارس لسنة 1966م يعين بموجبه الشيخ أحمد خميس الخلف مستشارا بمحكمة الاستئناف العليا اعتبارا من أول أبريل من العام نفسه، وكان الشيخ أحمد الخميس يعمل قاضيا في محاكم الكويت منذ أمد بعيد تدلنا عليه صورة نشرتها مجلة البعثة الكويتية في شهر أبريل لسنة 1950.
تحدثت هذه المجلة عن المحاكم في الكويت وعن جهود الشيخ عبدالله الجابر الصباح التي أدت إلى تنظيمها، وضمان حسن سير العمل فيها، وضمت الصورة عددا من القضاة منهم الشيخ أحمد الخميس الخلف والشيخ أحمد عطية الأثري بجانب عدد من القضاة من أبناء مصر الذين قدموا للمشاركة في العمل لمرفق القضاء في الكويت. الشيخ أحمد الخميس بجانب عمله هذا مشارك في كثير من الأعمال العامة في البلاد، ورجل له حضوره في كل مناسبة، وخطيب بارع يسعى الناس إلى سماعه، وواعظ يقدم دروسه لمريديه يوميا، بالإضافة إلى اشتغاله فترة لا بأس بها بمهنة التعليم.
ولد الشيخ أحمد الخميس في الكويت في سنة 1893م، وترعرع فيها وتلقى دروسه الأولية في الكتاب، ثم رغب في التزود من العلم فانطلق إلى عدد من البلاد المجاورة، حيث تلقى العلم على يد نخبة من رجالها، ثم واصل دراسته عند خاله الشيخ العلامة عبدالله الخلف الدحيان، وقام بالتدريس بعد ذلك في عدة مدارس منها المدرسة المباركية، ثم تركها ليفتتح بالتعاون مع الأستاذ عبدالملك الصالح مدرسة خاصة بهما. وعندما توفي خاله الشيخ عبدالله الخلف تولى الإمامة في مسجد البدر بدلا منه. للشيخ أحمد الخلف صوت جميل ينشد أشعار المدائح النبوية في مجلسه بين صلاتي المغرب والعشاء فيسعد الحاضرين، وكان رقيق الأسلوب واضح العبارة، حريصا على أن تكون خطبه في يوم الجمعة في متناول الحضور، وأن يذكر فيها الأشياء التي تحدث في وقته، فينتقد الخطأ، وينصح ويوجه، وعندما توفي في الرابع عشر من شهر يوليو لسنة 1974م أسف الناس كثيرا لفقده وترحموا عليه ذارين آثاره ومواقفه.
ج - التوثيق في الكويت
يحرص الكويتيون منذ البداية على توثيق كل شيء، وأهم ما في ذلك العقار، فما إن يشتري أحدهم عقارا حتى يبادر إلى القاضي لتسجيله كما هو الجاري اليوم حين يتقدم أصحاب المعاملات المماثلة إلى إدارة التسجيل العقاري والتوثيق بوزارة العدل من أجل توثيق ما يشترونه من عقار.
وهذه وثيقة صدرت في العاشر من شهر المحرم لسنة 1330هـ (الموافق للتاسع عشر من شهر ديسمبر لسنة ١٩١٢م) موقعة من القاضي محمد بن عبدالله العدساني بشأن تسجيل بيع بيت في منطقة الزنطة بالقبلة، وقد تمت المبايعة فيه بين البائع ملا أحمد بن عبدالله العسلاوي إمام مسجد الزنطة، والمشتري علي بن حمد بن عمران وإخوانه.
وتوضح الوثيقة البيانات الكاملة عن الطرفين، وعن البيت الذي تم بيعه بموجبها، وتحدد الموقع وطريقة الدفع وكل ما يكفل حقوق الطرفين المتعاقدين. وهذا هو نص الوثيقة: «الحمد الله سبحانه، جرى كما ذكر لدي أنا العبد الفاني محمد بن عبدالله العدساني. السبب الداعي إلى تحرير هذه الأحرف الشرعية، هو نسيبه حسن بن خليفة من حاملي هذا الكتاب علي بن محمد بن عمران واخوانه ابراهيم وعمران وصقر، وهم أيضا قد اشتروا منه ما هو ملك موكليه إلى حين صدور هذا البيع منه، وهو البيت الكائن في محلة الزنطة الذي تحده قبلة السكة الفاصلة بينه وبين بيت سليمان بن جراح، وشمالا الطريق النافذ، وشرقا بيت المشتري المذكور، وجنوبا بيت سليمان بن جراح، بثمن قدره وعدده ثلاثمائة ريال، وسلم الثمن بتمامه وكماله المشترون علي وإخوانه المذكورون بيد الوكيل البائع ملا أحمد المزبور قبضه لموكله بيعا صحيحا شرعيا، فبموجب ما ذكر من البيع وتسليم الثمن صار البيت المبيع المذكور مالا وملكا للمشترين علي بن محمد بن عمران وإخوانه المذكورين يتصرفون فيه كيفما شاءوا. حتى لا يخفى. جرى وحرر في 10 المحرم سنة 1330هـ» الذي يوافق الثلاثين من شهر ديسمبر لسنة 1991م.
حول اللهجة الكويتية
هل للأطفال لهجة خاصة؟
نعم، كما أن لهم ألعابهم التي ينفردون بها. وبحكم سنهم فإن اللهجة العامية تغلب على كلامهم، وعلى أناشيدهم، وهي أناشيد ينشدوها في أكثر الأحيان مصاحبة للألعاب، ولم تكن لهم أدوات لعب ملائمة كالأطفال في يومنا هذا، ولكنها أدوات بسيطة لا تخرج عن المقصي والعصا المصاحبة له، أو الكرة التي يضعونها بأيديهم من الخرق التي لا فائدة منها فيكورونها ويتقاذفونها، وما شابه ذلك من أمور بسيطة، لكنهم عند صيد الطيور يستعملون أدوات منتشرة بين الصبيان منها كالفخ والنباطة والصلابة وغير ذلك وهم لا يعتبرون هذا الصيد لعبة من الألعاب، فهو هواية مفيدة لها موارد لهم، بل إن بعض الكبار يزاولونها.
يبدأ الطفل في تعلم لهجة أهله قبل أن يجيد الكلام، فهو في الفترة الأولى مستمع لما تقوله له أمه حين تقوم بترقيصه رغبة في إدخال السرور عليه ومن نماذج ما يسمعه الطفل في حياته المبكرة:
- عندما تبدأ الأم بتنويمه، كانت تضعه في فراشه فوق سرير من جريد النخل نسميه: المنَزْ. ثم تفتتح مناداته بقولها: هلولو هلولو. وقد اختلف الناس في مدلولها، وقد تكون مشتقة من قولنا: هلا وأصلها الفصيح: أهلا.
ثم تضيف إلى ذلك بترنيم بطيء هادئ يساعد على نوم الطفل وإن لم يفهم منه شيئا. ومن ذلك قولها:
ربيت الولاد بعد الكبر - يُمه - يوم اصباي وجنوني.
وظنيت ألولاد بعد الكبر يغنوني.
وعقب ما لاح الشيب يُمه - وطاحت اسنوني.
سبعة الأولاد ما اقدروا يعشوني.
وبين فقرة وأخرى تردد قوله هلولو. ولا تقوم من أمام (المنز) إلا بعد أن ينام الصغير.
- ومما كانت الأمهات يرددنه في وقت تنويم الصغار قولهن بعد تقديم: هلولو
مكررة.
يا وليدي...
نام نومة هنية.
نومة الغزلان في البرية.
- وفي غير حالة التنويم للطفل حالات أخرى منها أن يشتد في البكاء وهذا يسمى عندنا (عَرَّة)، وهنا تحاول الأم بقدر ما نستطيع أن تعيد إليه الهدوء، وذلك بحمله بين يديها ورفعه إلى الأعلى ثم حفضه مما يجعله في عادته الطبيعية فيضحك لهذه الحركة، بينما تقول الأم:
اسم الله وياسين
على وليد المساكين.
يا عرة طلعي بره.
لا إله إلا الله منشوره.
عن الشيطان وحضوره.
- ومن المشهور من ذلك قول الأمهات:
عشت وتعشعشت
عشت ولبست البشت.
أما الأطفال الأكبر سنا، فإن لهم كثيرا من الألعاب والأناشيد، ذلك لأنهم أكثر انطلاقا من الصغار الذين ذكرناهم آنفا والفتيات - أيضا - لهن ألعابهن وأناشيدهن الخاصة ومن ذلك للبنات:
الدعوة الصادرة منهم للمطر بعد أن يلاحظن أنه لم يهطل في وقته السنوي المعتاد، ذلك لأن المطر - قديما - كان مهما للبلاد، وبخاصة أنه يزيد إمدادات المياه التي كانت تشح في أوان الصيف، فيخرجن على طريقتهن الخاصة كما يلي:
- اللعبة والأنشودة معا يطلق عليها أم الغيث. وأم الغيث هذه عبارة عن تمثال يصنعنه من قطع الأقمشة التي لا تحتاج إليها أمهاتهن ويزين هذا التمثال، وكأنه فتاة لها شعر طويل، ثم يضعن هذا الذين حضرنه على عصا طويلة بحيث يكون في طرفها الأعلى، ثم يجتمعن حول (أم الغيث) التي وصفناها هنا، ويتم دورانهن على بيوت الجيران يرددن قولهن:
يا أم الغيث غيثينا.
خلي المطر ايينا.
بلي، ثوب راعينا.
خللي العِشْبَه تنبت.
يرعاها طلبنا.يرددن ذلك وهن يأملن في نزول المطر.
- وللفتيات نشيد مصحوب ببعض الحركات الراقصة الخفيفة، وذلك في موسم عودة السفن من رحلة الغوص المعتادة، حيث يقفن صفا واحدا وينشد النشيد التالي:
يا يُمّه قومي طِلَيْ
يا يُمّه قومي طِلَيْ.
شوفي البحر محتاس
شوفي البحر محتاس.
شوفي اشراع أبونا
شوفي اشراع أبونا.
ابيض چما القرطاس
ابيض چما القرطاس.
ويكرر ذلك مرارا. ولفظ چما هنا معناها: كما. وقولهن: چما القرطاس معناها كأنه القرطاس ولفظ ما زائد.
وفي هذا يكفي.