الارشيف / اخبار الخليج / اخبار الكويت

أبوهيثم .. إلى جنة الخلد .. بقلم: حمد عبدالمحسن الحمد

  • سيف الحموري - الكويت - الأحد 28 أغسطس 2022 08:50 مساءً -  عبدالرحمن الغنيم.. فقدت الكويت مواطناً نادراً


يوم 17 أغسطس 2022م، صباحا وصلتني رسالة من صديق تفيد بوفاة شخصية لها مكانتها في المجتمع الكويتي وهو الأستاذ عبدالرحمن الغنيم، الوزير وعضو مجلس الأمة الأسبق، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، تأسفت على سماع الخبر، ورغم أن معرفتي به محدودة، إلا أن له مكانة في قلبي، حيث كنا نلتقي أسبوعيا كل مساء يوم جمعة في ديوان البحر في الشويخ لعدة سنوات، ولكن بعدما اجتاحت جائحة كورونا العالم تباعد الناس بسبب الحظر الكلي، ولم نعد نلتقي.

وفي عام 2021م، كنت قد بدأت بإعداد مادة كتاب بعنوان «الكويت في زمن الأربعينيات والخمسينيات.. شهادات وشهود»، حيث قابلت 51 شخصية كويتية عاشت المرحلة الانتقالية من الاعتماد على الغوص وتجارة اللؤلؤ حتى الانتقال الى عصر ثروة الموارد النفطية، حيث حدثت تغيرات اجتماعية واقتصادية في مجتمعنا، وكانت تلك الشخصيات شهود عيان على زمن التحول، ومن الشخصيات التي أجريت معها لقاء السيد عبدالرحمن الغنيم، وقد صدر الكتاب لاحقا في يناير عام 2022م بطبعته الأولى عن دار الفراشة بالتعاون مع مكتبة راكان «العجيري سابقا».

فعند اتصالي الأول بأبو هيثم في يوم الثلاثاء الموافق 29 يونيو 2021م تردد بسبب كورونا، وأفاد بأنه لا يخرج من المنزل لظروفه الصحية، فعرضت عليه أن يكون اللقاء عبر حوار صوتي مباشر عبر الواتساب ورحب ووافق في الحال.

عبدالرحمن الغنيم أبوهيثم، من الشخصيات التي رسمت نجاحات في حياتها المهنية وفي الحياة السياسية، وعمل بصمت، حيث تبوأ منصب وكيل، وبعد ذلك وزير لوزارة المواصلات، ودخل الحياة البرلمانية كنائب، حيث سار على خطى والده خالد الغنيم الذي أصبح رئيسا لمجلس الأمة في فترة السبعينيات، وهو يتمتع بتلك السمعة الطيبة حيث طوال حياته كان بعيدا عن أي تجاذبات سياسية، أو تشابك مع أي أطراف أخرى، لهذا صفحته بيضاء ناصعة، وفي الديوان حيث كنا نلتقي معه كان قليل الكلام، وإن تحدث لا يغتاب أحدا، وان قدم الرأي كان مختصرا وبالصميم وبدون استرسال.

ولكن قد يكون هناك من هو اكثر مني معرفة بأبوهيثم وقربا، حيث كتب الأستاذ عبدالله بشارة في رثائه في مقاله بالقبس عدد 21 أغسطس 2022م، كتب: «فقدت الكويت مواطنا نادرا في نزعته الإنسانية، متجاوزا الاجتهادات في المواقف، متعاليا على الصغائر، باحثا عما يجمع، مترفعا عما يسيء، ناقلا جودة الأخلاق، مؤمنا برسالة الكويت وتضامن أبنائها، لا ينسى أحد مساهمته في مؤتمر جدة، لقد ترك سجلا أخلاقيا عطرا، يروي سيرته في العيش بالقيم العالية».

وفي مقال للدكتور عادل العبدالمغني وهو يرثي أبوهيثم كتب: «والأهم والذي لا يختلف عليه اثنان لا تجد لدى أبوهيثم أية خصومات كانت مع أحد، وحتى وقت عضويته في مجلس الامة، فكانت علاقاته ودية مع الجميع، رحمه الله».

وكتب د.عبدالمحسن حمادة مقالا في القبس عدد 24 أغسطس يرثي أبوهيثم، كتب «عبدالرحمن الغنيم أحد رجال هذا البلد الطيب ورمز من رموز الخير، أحب بلده وأخلص في كل عمل قام بأدائه، وأثبت في حياته العملية نجاحا في إتقان عمله وحسن تعامله مع الناس، وقد ينطبق عليه قول زهير «تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله»، رحمه الله.

وكتب الأستاذ عبدالمحسن الحسيني في جريدة «الأنباء» عدد 19 أغسطس 2022، «كان عبدالرحمن الغنيم، رحمه الله، سباقا في كل عمل وطني، كان يتفانى في خدمة ومصلحة الكويت والكويتيين، لقد كان أمينا عاما للمؤتمر الشعبي للشعب الكويتي الذي عقد في المملكة العربية السعودية أثناء الغزو، لقد حرص على ان يكون أحد القادة الذين تولوا مسؤولية الدفاع عن الشرعية الكويتية».

وفي مقالي هذا أنقل ما جاء على لسان شخصيتنا عن اللقاء الذي تم معه، ونشر في كتابي آنف الذكر، وهو يتحدث عن بداياته في فترة الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات الفترة التي أطلقنا عليه فترات التحول، وما سيأتي نقل من كتابي وجاء هكذا على لسانه، رحمه الله، وهو يعرّف بنفسه والكلام بين أقواس:

عشت في فريج غنيم

(عبدالرحمن خالد صالح غنيم سليمان الغنيم، من مواليد أواخر عام 1937م، والمولد في فريج غنيم بحي جبلة في بيت العائلة الأول، ومقابل نقعة غنيم، وكان معنا جدي صالح الغنيم بالبيت، وكانت تجارته بالبحر وكانت وفاته في الستينيات، وكان من جيراننا المباركي وبيننا وبينهم «فرجة»، وبعد ذلك الوالد اشترى لنا بيتا في فريج السبت، وكان بيتا كبيرا، مكثنا فقط سنة في ذلك البيت وحدثت سنة الهدامة، واذكر ملا سليمان الخنيني وعبدالله، وكان عندهم مدرسة كتاتيب، مدرسة ملا سليمان الخنيني، وكنت مع أخي سليمان كنا ندرس عند سليمان الخنيني حيث أغلب دراستنا بالكتاتيب، لأن جدتي لم تكن ترضى أن ندرس في مدارس نظامية، ولكن والدي أخذ قرارا ونقلنا إلى مدرسة حكومية نظامية).

سميت على عمي الذي توفي بالبحر

(وسمعت من الأهل أن عمي عبدالرحمن كان في رحلة سفر بالبحر، وفي أثناء عودتهم حدث طوفان في الليل والبحر أمواجه عالية، وطلب النوخذة من أحد البحارة أن يصعد، وراح عمي عبدالرحمن يربط الحبال بالدقل، لكن قوة العاصفة رمته داخل البحر وتوفي، وبعد وفاته تم إطلاق اسمه علي، لهذا حملت اسمه «عبدالرحمن»، وعمي عبدالرحمن تزوج ولكن لم يكن له ذرية، لهذا بعد وفاة عمي عبدالرحمن بالبحر جدتي حرمت ان يدخل والدي البحر بعد ذلك، لكن والدي دخل البحر)..

والدي اشترى وايرات الكهرباء لتصل بيتنا فوصلت لكل الجيران

(حكاية دخول الكهرباء لبيتنا كان لها قصة، وكان ذلك عام 1948م، وكانت شركة الكهرباء أهلية مملوكة لعبدالله الملا، وكنا نسكن في فريج السبت وماكينة الشركة في الدهلة قرب ساحة الصفاة، وراح والدي وطلب إيصال الكهرباء لبيتنا بالدهلة، وكان رد الشركة أنه لن يتم التوصيل إلا بتزويد الشركة بوايرات نحاس ووافق والدي، واشترى ربطات النحاس بعد أن طلبها ووصلت من لندن، وتم التمديد من الدهلة من قبل الشركة، ومرت التوصيلات والوايرات وأعمدة الشبات من الصفاة مركز الماكينة، ومرت على سوق الدهلة وسوق واجف وبمحاذاة المقبرة القديمة حاليا حديقة البلدية حتى وصلت الكهرباء لبيتنا، لكن الذي حدث أن تم التوصيل للبيوت التي بالطريق، وهنا قل وضعف التيار في بيتنا، وراح والدي اشتكى للكهرباء وقال: «أنا الحين أشتري الوايرات وتمدون لكل الشارع وتالي تضعف الكهرباء عندنا ما استفدنا شي «وتم حل الإشكال واستفاد الجميع وكان ما عمله خيرا وبركة للجميع، وكان عند الوالد راديو كبير على البطارية، وكان يضعه في غرفه خاصة، ويغطيه بقماش حتى لا تعثر عليه والدته هيا الوقيان لأنها ما كانت ترضى بالراديو لأنها تعتبره سحرا).

والدتي لم تكن تقتنع بالتعليم النظامي وأدخلتني الكتاتيب

(أما بالنسبة للتعليم فكان تعليمنا لفترة أنا وأخي سليمان عند المطاوعة الكتاتيب ملا سليمان الخنيني حتى بلغ عمري ست سنوات، لأن والدتي لم تكن تقتنع بالتعليم النظامي، وترفض أن نتعلم في المدارس النظامية، لأنها تعتبره تعليم كفار لا يدرسون الدين، هذا كان اعتقادهم في ذلك الزمان، لكن تغيرت الظروف والوالد قرر أن ينقلنا إلى مدرسة الروضة المستقلة، كان ناظرها عقاب الخطيب، احتمال التحقنا عام 1946م أو 1947م، وعندما التحقنا وضعونا في الصف الثاني، لأننا متقدمون وحافظون قرآن وباللغة متميزون، وكان الأستاذ عقاب الخطيب هو الناظر، وكنت جدا قريبا منه كابنه، وكان يأخذني معه بالتمثيل ومثلت معه على المسرح، وفي تلك الفترة إذا تميزت بالدراسة ينقلونك للفصل التالي، وبعدها انتقلنا مؤقتا للمدرسة الأحمدية لأن مدرستنا كان بها إصلاحات، وكان بالأحمدية الأستاذ عبدالملك الصالح، ومدرستنا الروضة المستقلة كانت بيت ملك للسيد خلف النقيب وكانت ملاصقة للمدرسة القبلية للبنات، وبعد ذلك عام 1948/1949 انتقلنا إلى مدرسة المباركية مرحلة ابتدائية سنة أولى ابتدائي، وانتقلنا للمدرسة القبلية للبنين في الصالحية وأكملت ثانية وثالثة ورابعة، وكان من المدرسين معجب الدوسري وكان مدرس الرسم، وكان موقع المدرسة خلف المقبرة، وحاليا مكانها محل السرحان وخلف مبنى المعارف سابقا، وحصلت على الشهادة الابتدائية، وكنت أساهم بنشاط بمجلة الحائط وكان معي أحمد النفيسي وكنت في نشاط الرياضة بالفريق الخاص والكشافة، وكنت متفوقا ومن الأوائل في فصلي، ورجعنا الى المدرسة المباركية أولى ثانوي 1951/1952 م، وبعدها انتقلت إلى ثانوية الشويخ عام 1952/ 1953 م وكانت في بداية افتتاحها،، لكن للأسف كنت في آخر سنة يفترض أن أكون الأول على الثانوية، لكن حصلت على درجة منخفضة بالدين، لهذا لم أحقق المركز الأول، رغم أنني في كل المواد حققت نتائج عالية، وكنت متخصصا بالعلمي ومتميزا بجميع المواد، وكان مدرسي زهير العلمي، وكنت متفوقا بالرياضيات ودرجاتي كانت عالية، لهذا تخرجت عام 1956/ 1957م، وابتعثت إلى أميركا عام 1957/ 1958م، وكنا أول بعثة لكاليفورنيا، وأمضيت هناك أربع سنوات تخصص هندسة كهربائية).

(بعد التخرج عدت للكويت وعملت في وزارة البريد والبرق والهاتف، وتركت الوزارة بعد أن أديت واجبي وتطورت الاتصالات في عهدي كوكيل وزارة، وقررت دخول الانتخابات، وفزت بمقعد في مجلس الامة بدائرة الضاحية عام 1985 م، وبعد حل المجلس بعد سنتين، تم اختياري كوزير دولة للشؤون البلدية).

كان مجتمعنا بالسابق مجتمعاً تعاونياً والبيوت مفتوحة على بعض

(المجتمع الكويتي بالسابق كان مجتمعا تعاونيا تكافليا محبا للمعرفة، وكان بيتنا على بيت العدواني على بيت الزمامي كانت بيوتا مفتوحة، يقول لي المباركي كان بيتنا وبيتكم بيننا «فريه»، كنا صغارا ندخل على بيوت الجيران كأننا أهل، وكانت المرأة لها دور كبير في المجتمع من خدمة البيت إلى التربية، حيث تقوم بكل الأدوار، وكانت بالليل الجدة تحازينا حزاوي عن الطنطل، وحمارة القايلة من أجل التسلية ليس إلا).

تلك مقاطع من الحوار الذي تم بين كاتب هذا المقال وبين شخصية نادرة، خدم بلده بصمت وغادرنا عبدالرحمن الغنيم تاركا إرثا يفتخر به بلده وشعبه، رحمه الله.

Advertisements
Advertisements

قد تقرأ أيضا