- سيف الحموري - الكويت - الأحد 29 مايو 2022 09:28 مساءً - المباركي: وضع خريطة تراثية معمارية لإعادة بناء ما تبقى من المباني الصالحة وإعادة تأهيلها وفق المعايير المعمارية
- العيسى: متابعة الالتزام بشروط الأمن والسلامة في كل المباني لاسيما التراثية منها مع ضرورة المحافظة على هويتنا العمرانية
- الكندري: لا يمكن السكوت عن الدمار الحاصل في السوق وعمليات الهدم والردم ويجب الاستعانة بخبراء حماية المباني التراثية
- الجسار: هناك تقصير في الرقابة وحماية المواقع التراثية وعلى جميع الجهات المعنية التدخل والقيام بدورها لحماية التراث
آلاء خليفة
لاشك أن حريق «المباركية» كان فاجعة للجميع، فلهيبها أشعل قلوب كل من عاش على أرض الكويت، كما أن النيران التهمت الذكريات وآثار الخطوات في ذلك السوق التراثي وممراته الضيقة، حيث كان للخبراء والمتخصصين من أساتذة كلية العمارة في جامعة الكويت آراؤهم الخاصة في هذا الصدد والتي نقلوها عبر «الأنباء» في تحقيق خاص لاستطلاع الآراء، فقد حملوا السلطات المختصة مسؤولية عدم الاستعداد لمثل هذه الواقعة، التي قالوا إنها تمس «التراث الكويتي العريق، مطالبين بالمحافظة على ما تبقى من تراث ومبان تاريخية لتبقى شاهدة على الحقب والسنوات التي مرت بحياة الكويتيين، إلى جانب ضرورة إحياء السوق بالطراز القديم والتراثي الذي كان عليه وعدم اللجوء لتطوير الشكل العمراني للمحلات القديمة. واعتبروا أن الحريق كشف الخلل والقصور وغياب اشتراطات الأمن والسلامة، وهو قابل للتكرار في مواقع أخرى ما لم تتحرك الجهات المعنية لمعالجة هذا الخلل والإهمال. وأشادوا باستجابة وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار لتشكيل لجنة لمعالجة آثار الحريق ودراسة اسبابه وتفعيل طرق الوقاية الى جانب رصد ميزانية مبدئية لترميم الجزء المحترق من السوق، مشددين على ضرورة إعادة ترميم الجزء المحترق بالمواد الأصلية نفسها بهدف الحفاظ على الهوية واليكم التفاصيل:
في البداية، عرفت القائم بأعمال رئيس قسم «العمارة» في كلية العمارة د.شيخة المباركي التراث المعماري على أنه تجسيد لقيم ثقافية وحضارية تعكس بنية اجتماعية، عمرانية، واقتصاديـــة، ويوضـــح مساهمة الأجيال المتعاقبة في الحضارات الإنسانية للمجتمع، كما أن التراث المعماري المستدام تعبير عن تاريخ وثقافة المجتمع، ويربط المعماريين المعاصرين بسلفهم، موضحة أن «المباركية» ليست فقط سوقا تجاريا قديما إنما هو علاقة تراكمية للذاكرة بين الانسان والمكان، فهو بيئة وحصيلة شاملة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية ووطنية، مؤكدة أن الخسارة الكبرى هي فقدان هذه الهوية والإرث التاريخي للسوق، والذي يصعب تعويضها ان لم تتكاتف الجهود لإعادة ذاكرة المكان لإرساله للأجيال القادمة. وطالبت د.المباركي بالمحافظة على ما تبقى من تراث وتاريخ ومبان تاريخية، لأنها أصبحت معدودة، فيجب حصرها ومتابعتها وترميمها حسب الاشتراطات العالمية لإعادة تأهيل المواقع التاريخية وتوفير أنظمة الأمن والسلامة لها، مؤكدة أن التراث يعزز مفهوم المواطنة، ويشكل هوية المجتمعات.
وذكرت أن المسارعة بإزالة ما تبقى من شواهد معمارية جريمة بحق تراث الكويت، لأنه يمكن الاستفادة منها والحفاظ عليها، مشيرة إلى أنه رغم تضرر سوق المباركية جراء الحريق، فإنه لابد من وضع خريطة تراثية معمارية لإعادة بناء ما تبقى من المباني الصالحة، وإعادة تأهيلها وفق المعايير المعمارية للحفاظ على التراث، بالاعتماد على المخطط الهيكلي للمواقع التي تمت إزالتها، تمهيدا لإعادة بناء السوق المدمرة كما كانت عليه تاريخيا، مع الحفاظ على الطابع المعماري التراثي لأسواق السلاح والطحين والصفافير، التي تضررت بشكل خاص في الحريق الأخير.
قصور تشريعي
من جانبها، ذكرت د.ريم العيسى أنه يجب على مؤسسات الدولة أن تهتم بكل ماله صلة بتاريخها، ولا يوجد ما يدل على تاريخ الدول أكثر من تراثها العمراني، مؤكدة أن على الدولة أن تجند كل مؤسساتها ذات المسؤولية بهذا الشأن وبصورة عاجلة بالحفاظ على التراث العمراني القديم.
وشددت د. العيسى على ضرورة متابعة الالتزام بشروط الامن والسلامة في كافة المباني لاسيما التراثية منها، مع ضرورة المحافظة على هويتنا العمرانية وذلك بإعادة بناء سوق المباركية بطرق ومواد البناء الاصلية، معربة عن أسفها لغياب الوعي الكافي بالبناء المستدام، والذي يضمن أعلى سبل الأمان والبقاء لمعالمنا التراثية، مؤكدة أن الكويت تعاني قصورا تشريعيا ومهنيا للحفاظ على المباني التاريخية، وهو ما نتج عنه فاجعة حريق المباركية.
الاستعانة بخبراء
فيما أوضحت د.أمينة حمد الكندري أن سوق المباركية وسوق السلاح بالتحديد ما هو إلا إرث تاريخي وثقافي ووطني، وهو روح المدينة الكويتية وقلبها النابض منذ اكثر من 200 عام،
وبينت د.الكندري ان حالات اتلاف وتحوير وهدم وطمس هوية المدينة بدأت بتعطيل قوانين حماية المباني الاثرية المسجلة مما أدى الى سوء ادارتها وترميمها وتجديدها دون الالتفاف إلى أدنى اسس الامن والسلامة والذي نتج عنه اخيرا الحريق الهائل الذي التهم أقدم ما تبقى من سوق السلاح، لافتة إلى أنه لا يمكن السكوت عن الدمار الحاصل في السوق وعمليات الهدم والردم المستمرة بل يجب الاستعانة بخبراء حماية المباني التراثية وأساتذة جامعة الكويت وطلبتهم ليدلوا بما لديهم من معلومات، مخططات وصور تاريخية قد تساعد في اعادة بناء الاجزاء التالفة من السوق لتعود كما كانت عليه في السابق مع الاخذ بالاعتبار احتياطات الامن والسلامة حتى يتم تفادي مثل هذه الكوارث في المستقبل.
تقصير الرقابة
وأيدهم بالرأي د.محمد الجسار، حيث ذكر أن مأساة سوق المباركية بدأت منذ عدة سنوات عندما تمت زيادة إيجارات المحلات وتحويلها من محلات شعبية الى محلات حديثة مماثلة لما نراه في المجمعات التجارية لا صلة لها بطابع السوق التاريخي، إلى جانب السماح للمحلات بتغيير الواجهات لتفقدها قيمتها التاريخية وروح المكان، مبينا أن حريق سوق المباركية كان الفاجعة المكملة لمآسي سوق المباركية بالأخص والعمارة الكويتية بصفة عامة.
وأشار د.الجسار إلى أن الكويت لا يوجد بها شركات ومؤسسات متخصصة في إعادة تأهيل وترميم المباني الأثرية بالطريقة الصحيحة، مبينا أن ذلك يعتبر من أفضل وسائل الصيانة الوقائية والتي لها دور في الحفاظ على المباني لأطول فترة ممكنة، وأوضح أن ذلك يتطلب الاستعانة بالخبرات من دول خليجية مجاورة لديها قدرة تفوق الكويت في الحفاظ على تاريخها ومعالمها، كون أن الكويت تفتقر إلى وجود مثل هذه الشركات. وألقى د.الجسار اللوم على عدة جهات، وقال إن هناك تقصيرا في الرقابة وحماية المواقع التراثية، وتقصيرا في صيانة هذه المواقع، وتقصيرا في إدارة المواقع التراثية، مشددا على أن هذا الحدث يجب الا يمر بدون اعادة النظر في الاجراءات المتبعة في الحفاظ على المباني التراثية في الكويت، كما أن سوق المباركية يحب أن يعود كما كان، ليس قبل الحريق فحسب وانما قبل إضافة الواجهات المخالفة للطابع التاريخي للمكان، مطالبا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالتدخل السريع، والقيام بدوره لحماية التراث الكويتي.
ندبة وجرح
فيما أعربت المعمارية هبة العلي عن أسفها لتأثير حريق المباركية على نفس وذاكرة الأجيال المتعاقبة، تاركا ندبة وجرحا، سواء عند الأطفال أو الكبار أو حتى الكهول، وكل من عاصر كارثة الحريق، موضحة أن سوق السلاح والأسواق الملاصقة له كان يعد آخر ما تبقى لنا من تراث الكويت، فضلا عن كشك الشيخ مبارك الكبير، وحتى سوق الصفاة، وهي المنطقة التي تتميز بمذاق ورائحة خاصة تعبر عن هوية الكويت وتاريخها.
واستطردت العلي: أعزي نفسي وشعب الكويت على هذا المصاب الجلل وعلى المرحلة المؤسفة التي وصل إليها تاريخنا وذكريات تراثنا المعماري خاصة، والذي أضحى يتلاشى لأسباب غير مقنعة بشكل متسارع ومحزن.