- سيف الحموري - الكويت - الأربعاء 18 مايو 2022 08:16 مساءً - إيمان أسعد: النص الذي أُعيد بناؤه من جديد مسكون بذاتين وهويتين للكاتب والمترجم
- أقوم بترجمة النصوص حرفياً دون أي تحريف وأرفض تماماً «القولبة» وطمس الهويات
- بثينة الإبراهيم: التوطين في الترجمة نوع من الرقابة فلماذا أجرّد الآخر مما لا يناسبني؟
- دلال نصرالله: الترجمة فضاء يستوعب كل الهويات.. وسلاح يجب أن نستخدمه بوعي
آلاء خليفة
«الهوية في الترجمة بين النقل والبناء» كان هذا عنوان الحلقة النقاشية التي عقدت ضمن ملتقى «تكوين» الثالث «تساؤلات الهوية: من نحن؟ وما الذي يمكننا أن نكونه؟» والذي تنظمه مكتبة «تكوين» بالتعاون مع المجلس البريطاني ومنصة الفن المعاصر وبرعاية إعلامية من «الأنباء»، وذلك أول من أمس بحضور مؤسسة مكتبة تكوين الروائية بثينة العيسى ومدير عام منشورات تكوين الشاعر محمد العتابي وعدد من الأدباء والمثقفين، ومشاركة 3 مترجمات متميزات صاحبات تجارب لافتة في مسألة الهوية على الصعيدين الشخصي والعلمي وهن: ايمان أسعد، بثينة الابراهيم، ودلال نصرالله، وأدار الجلسة عبدالوهاب سليمان.
وركزت الحلقة النقاشية على مفهوم الترجمة الذي شهد تحولات عديدة منذ ان كانت مجرد نقل نص من لغة المصدر إلى لغة الهدف وتداخلت فيها سياقات اجتماعية وسياسية شكلت الهوية فيها جوهرا ولعل المترجم أكثر الأدباء تفاعلا مع مسألة الهوية اذ يملك هويته الخاصة ويعمل على ترجمة نص ذي هوية او هويات مختلفة بغية ايصاله إلى قارئ له هويته أيضا والتي قد يشترك فيها مع المترجم او لا بصرف النظر عن اللغة المشتركة.
وتم خلال الحلقة النقاشية طرح تساؤلات عن الهوية في الترجمة وتمثلاتها والتعامل معها في عالم تنوعت فيه الهويات وتداخلت بفعل تحولات اجتماعيـــة وسيــاسية وثقافـيـــة كالاستعمـــار والهجرة والعولمة، وسلطت الحلقة الضوء على عدة محاور ابرزها ان الترجمة عملية نقل هوية ما من لغة إلى اخرى وتأثير الهوية والترجمة على بعضهما، والقضايا التي يتعامل معها المترجم في نقله لهوية الآخر، بالاضافة إلى ان الدراسات والنظريات في الترجمة توالت بوصفها عاملا من عوامل بناء او صناعة الهوية وان الترجمة لم تكتف بنقل الهوية وحسب، فكيف يمكن للترجمة ان تكون عاملا لبناء الهوية، وكيف يتفاعل المترجم مع تعددية الهويات في النص الواحد بغية ايصاله إلى قارئ ذي هوية ولغة مختلفة، كما ناقشت أيضا موضوع نقل الهوية او بنائها في ترجمة الاعمال الناشئة تحديدا وانها بطبيعة الحال لم تعد مشروعا فرديا اذ وجدت العديد من المؤسسات الثقافية الرسمية التي تعنى بالترجمة والفروقات بين تعاطي المترجم الفرد والمترجم المؤسسي لمسالة الهوية.
تمازج الهويات
في البداية، تحدثت الروائية الأردنية والمترجمة عن اللغة الانجليزية ايمان أسعد عن قضية تفاعل المترجم مع هويته الشخصية وهوية النص، موضحة ان النقل يفترض فيزيائيا ان ننقل شيئا من موقع لآخر، ولكن في حقيقة الأمر هذه النظرية لا يمكن تطبيقها نظرا لأن النص الأصلي يظل موجودا حتى بعد ترجمته إلى نص آخر جديد بلغة اخرى، لافتة إلى ان النص الاصلي مسكون بذات واحدة هي ذات الكاتب اما النص الذي اعيد بناؤه من جديد مسكون بذاتين وهويتين هوية الكاتب وهوية المترجم.
وقالت أسعد ان ما يهم القارئ هو مدى التمازج بين الهويتين في النص المترجم لاسيما وان المترجم سيستحضر هويته في بناء النص، مشيرة إلى انها تقوم بترجمة النص حرفيا بغض النظر عن اي سطور يتضمنها قد تسيء للدول العربية على سبيل المثال او تتضمن عبارات عنصرية ضد العرب او الاسلام ولكن واجبها كمترجمة ترجمة النص حرفيا دون اي تحريف أو تغيير، مشددة على انها ترفض طمس الهويات بأي شكل من الاشكال كما انها ترفض «القولبة» بما يوافق الجميع، لاسيما انها اردنية من أم كويتية لذا فهي تتمسك دوما بالهوية وترفض محاولات طمسها.
وأوضحت ان المترجم قبل ان يفتح النص فهو يملك نية ان يضيف عليه هويته الخاصة ومثال على ذلك الترجمة النسوية وهي ترجمة لنص مسبق على المترجمة ان تعالجه من وجهة نظر نسوية وهذا الامر ملاحظ بشكل اكبر في «الكلاسيكيات»، لافتة إلى ان المترجمين في الغرب ليس لديهم خوف او هوس بالقارئ كما هو الحال عند العرب ويركزون اكثر على النص.
توطين الترجمة
من جانبها، قالت الكاتبة السورية والمترجمة عن اللغة الانجليزية بثينة الابراهيم ان اهم قضية يجب ان ينقلها المترجم هي الاختلاف مسلطة الضوء على موضوع «التوطين في الترجمة» وذلك من خلال اضافة رداء المحلية على النص المترجم وجعله نصا من البيئة المحلية وتجريده من كل خصوصية ثقافية يتمتع بها، لافتة إلى ان التوطين في الترجمة نوع من الرقابة على الآخر، متسائلة: لماذا اجرد الآخر من كل ما لا يناسبني او لا استسيغه؟
وذكرت الابراهيم ان احداث شطب او تحوير او تغيير في النص اثناء الترجمة يعد رقابة يمارسها المترجم اذا كان غير واثق من هويته او يخاف من الآخر، مؤكدة ان كل مترجم يعزف عن احداث اي تحوير في ترجمة النص، مترجم واثق من نفسه وهويته وان تأثر بهويته الآخر فهذا لا يعني بالضرورة انسلاخه عن هويته الأصلية.
وأوضحت ان الترجمة تبني هوية قائلة «ليست هي العامل الوحيد ولكنها تعتبر عاملا لبناء الهوية»، لافتة إلى انه اذا كانت الترجمة تهيئ لنا معرفة الآخر، فبالتالي ستهيء لنا معرفة انفسنا وهويتنا، وهي لا تعني فقط النقل من لغة إلى اخرى فالكتابة تعد ترجمة واللغة ترجمة واذا لم يوجد الاختلاف لن توجد الهوية، لافتة إلى ان كل ما ينطبق على ادب الكبار ينطبق على أدب اليافعين.
وأضافت: في ترجمتي بشكل عام وفي ادب اليافعين تحديدا كنت حريصة على منح الآخر المختلف فرصة للتعبير عن ذاته، ليفصح عن نفسه واعتقد انني نقلت شخصيات غريبة الاطوار ومنها «الصبي الذي لا يريد ان يكبر» و«الساحر الذي يقر انه مخادع ولكنه في نفس الوقت يصف نفسه بالطيبة» و«الفتاة التي تهوى سكنى الجبال وتخنقها المدن»، وهذا النوع من الادب يمنحنا عالما يحتفي بالاختلاف ويقدر التشابه مجددة الدعوة إلى قراءة ادب اليافعين كونه يمنحنا صورة بديلة للعالم الذي تسوده الافكار النمطية عن الاخر المختلف وعن انفسنا ايضا «عن هويتنا وهويات الآخرين».
هويات متعددة
بدورها، اشارت المترجمة الكويتية عن اللغتين الانجليزية والايطالية دلال نصرالله إلى انها نشأت في بيئة اجبرتها التعايش مع هويات عديدة كونها كويتية من أم عراقية وبالتالي تعايشت مع لهجات وطوائف وثقافات وعادات مختلفة، موضحة اننا عبارة عن مجموعة من الهويات والترجمة يفترض ان تستوعب كافة تلك الهويات فهي لا تبني هوية ولكنها عبارة عن فضاء يستوعب كل الهويات.
وبينت نصرالله ان «ويكيبيديا» من وجهة نظرها سلاح تستخدمه الدول ضد بعضها من خلال ابراز شخصيات واحداث معينة وتسليط الضوء عليها بشكل بارز في حين يتم اخفاء حقائق اخرى بما يتناسب مع «الهوية النقية»، متسائلة: ما الهوية النقية؟ وهل يوجد حقيقة ما يسمى بـ «الهوية النقية»؟ مؤكدة على ان الترجمة سلاح لابد ان نستخدمه بوعي فليس كل المترجمين لديهم هذا الوعي ولكن يفترض ان يتمتع القارئ نفسه بذلك.