باسل النجار = الرياض في الجمعة 14 مارس 2025 04:00 مساءً - سأل الكاتب أنيس منصور الموسيقار الكبير رياض السنباطي فى أحد الحوارات بينهما: ما هو اللحن الذى ناطحك وأتعبك حتى تغلبت عليه فى النهايه؟
فرد السنباطي قائلا: ربما كان لحناً واحداً هو «الأطلال» خفت من هذه القصيده جداً، وقلت لأم كلثوم فى أثناء تلحين هذه القصيده:”يا أم كلثوم أنا خايف، وقتها كنا سويا فى العجمي، وتحديدا فى #قصر_الضيافه، وكانت ترد قائلة : “يا جدع إنت لك حاجات غريبة خايف من إيه ؟ عيب!، ولكنها كانت تحس باللحن وعمقه، وعلى يقين من نجاحه، أما أنا فلم يكن عندي هذا الإحساس، وأجرينا البروفات الضرورية للحن فى «شركة مصروفون» وتحدد موعد تنفيذ الغناء، والفرقة كلها #حفظت_اللحن_بالصورة التى ترضينى وترضيها، ولكنها همست فى أذنى وقالت لى : يا رياض قلت لها: نعم ؟ قالت : لا داعى لأن أغنى هذه القصيدة فى الحفلة، وكانت الصحف قد نشرت أن أم كلثوم سوف تغني «الأطلال»، ولما سألتها عن السبب قالت : أنا أيضاً خائفة، فالأطلال قصيدة عملاقة، ليس لأنها من تلحينك ولكن لأن كلماتها وقفة طويلة أمام الحياة كلها، الماضي والحاضر والشباب والكهولة والروح والجسد والحب والموت والقيد والحرية.
ولم تغن أم كلثوم هذه القصيدة، وبعدها بشهر تقريبا أجرينا البروفات وبكت بعنف ولم تفصح عن سر بكائها، فقلت لها: لا داعى لأن تغنى هذه القصيده أيضاَ فى الحفل القادم وسألتنى: إذا متى أغنيها ؟ فقلت : عندما تستريحين لها تماما، وسألتني متى؟ قلت لها بعدين ثم غنتها بعد ذلك وشاء القدر أن تنجح، ولم أنم تلك الليله ولا نامت أم كلثوم ففى الثامنه صباحاً اتصلت بي أم كلثوم وقالت لى مبروك قلت لها الله يبارك فيك، واستكملت كلامها قائلة : “أنا حاسه إن جبلاً قد انزاح من فوق رأسي، وأضافت: هذه الأغنيه هى الوحيدة التى أخافتنى!”.
وعن سر بكاء أم كلثوم فى هذه الأغنية، قال السنباطي: لاحظت عندما كنا نجرى البروفات أن أم كلثوم تبكى، ولاحظ الجمهور أن دموعها خانتها أكثر من مرة أثناء غناء الأغنية لأول مرة، وسألتها عن سر بكائها فقالت: إنها تذكرت الرجل الوحيد الذى احبته غير أن هذا الرجل الذى قالت إنه مات لم يكن وحده سبب بكائها، فهناك سبب آخر لم تتحدث عنه أقوى من كل الأسباب وهو أم كلثوم نفسها، فقد كانت فى ذلك الوقت عام 1966 تجاوزت الستين من عمرها، وتغيرت حولها الدنيا، واختفى الأصدقاء، ورحل زكريا أحمد
وبيرم التونسى والقصبجي،وغيرهم، وأخذت الشيخوخة تهاجم الباقين، وبهذا كانت وهى تغنى الأطلال تقف على أطلال عصر جميل ينهار تحت قدميها، صحيح أنها ظلت تقاوم، ولكنها أصبحت وحدها فى صومعة الفن الذى ضحت من أجله بالرجل والولد، وها هى فى النهاية تنظر حولها فلا ترى إلا الأطلال، ولهذا بكت فى البروفة وخانتها دموعها حين واجهت الجمهور.